.

.



قال الإمام البخاري رحمه الله في كتاب "استتابة المرتدّين المعاندين وقتالهم من صحيحه" [2]: (باب؛ قتل الخوارج والملحدين بعد إقامة الحجَّة عليهم، وقول الله تعالى: {ومَكَانَ اللهُ لِيُضِلَّ قَومًا بَعْدَ إِذْ هَدَاهُمْ حَتَّى يُبَيَّنَ لَهُم ما يتَّقُونَ}.


وكان إبن عمر رضي الله عنهما يَراهم شِرارخلق الله، وقال: "إنطلقوا إلى آيات نزلت في الكفار فجعلوها على المؤمنين") اهـ


ثم روى بإسناده [برقم: 6930] عن علي بن أبي طالب رضي الله عنه، أنه قال: سمعت رسول الله صلّى الله عليه وسلّم يقول: (سيخرج قوم في آخر الزمان، أحداث الأسنان سفهاء الأحلام، يقولون من خير قول البريّة لا يجاوز إيمانهم حناجرهم، يمرقون من الدّين كما يمرق السّهم من الرّمية، فأينما لقيتموهم فاقتلوهم فإن في قتلهم أجراً لمن قتلهم يوم القيامة).


ثم ساق عليه رحمة الله حديثين بإسناده [برقم: 6931]، وحديث [برقم: 6932]، في الخوارج الحرورية.



وعليه؛ فالواجب أََنْ يَعْلَمَ الجميع في هذه الحقائق عن أولئك الخوارج النواعق وعن منهجهم، فنقول...


قال الحافظ ابن حجر عليه رحمة الله في "الفتح" [3]: (أما الخوارج فهم جمعُ خَارجة أي طائفة، وهم قوم مُبتَدِعُون، سُمّوا بذلك لخروجهم عن الدّين، وخروجهم على خيار المسلمين) اهـ



قال الحافظ رحمه الله تعالى في "الفتح" [4]: (وعَظُمَ البلاء بهم - أي الخوارج - وتوسّعوا في معتقدهم الفاسد، فأبطلوا رَجْمَ المحصن وقطعوا يد السارق من الإِبط) اهـ



وقال الحافظ عليه رحمة الله في "الفتح" [5]: (وأوجبوا - أي الخوارج - الصلاة على الحائض في حال حيضها) اهـ


وسبب هذه الضّلالة أنَّ من أصول الخوارج المُتَّفَقِ عليها بينهم، الأخذُ بما دلّ عليه القرآن وردِّ ما زاد عليه من الحديث مُطلقا، كما أفاده الحافظ في "الفتح" [6]، وأفاده أيضًا شيخنا الألباني رحمه الله في "الإرواء" [7]، وانظر أيضاً لِزامًا "المِلل والنِّحَل" للشهرستاني رحمه الله [8].


قلت: فإذا كان الخوارج يردّون السُنّة ولا يتحاكمون إليها، فكيف بمن يَرُدُّ القرآن والسُنّة، فلا يتحاكم إليهما ولا يرفع بهما رأسًا، فمن هو الخارِجيُّ يا تُرى؟!


يقول الحافظ ابن حجر رحمه الله في "الفتح" [9]: (وحُكْمُ مرتكب الكبيرة عندهم حُكمُ الكافر - أي الخوارج -) اهـ


ويقول أيضًا الإمام الحافظ عليه رحمة الله: (وفتكوا في من يُنسبُ إلى الإسلام بالقتل والسبي والنَّهب) [11] اهـ 


وقال: إبن حزم عليه رحمة الله في "الفصل"، وعنه الحافظ في "الفتح" [12]: (أسوؤهم حالاً الغلاة المَذكُورُونَ، وأقربهم إلى قول أهل الحقّ الإباضية) اهـ 


وقال الدكتور الفاضل عمر الأشقر حفظه الله تعالى في "الأضواء السَنِية" [13]: (فلمّا وقعت الفتنة الكبرى، التي أودت بحياة الخليفة الرّاشد عثمان بن عفّان رضي الله عنه نبتت نابتة تُكفِّرُ صحابة الرسول صلىّ الله عليه وسلّم وتَتّهِمهم وتَرُدُّ ما رَوَوْهُ من أحاديث، وكانت تلك الفِرقة، فِرقة الخوارج) اهـ


وقال أيضا [14]: (وقد استباحوا دِماءَ المسلمين وأموالهم وسَبَوْا نسائهم، وزعموا أنهم وحدهم على الإيمان) اهـ


قلت: فانظر - رحمك الله - مَنِ استحلّ دِماءَ المسلمين شباباً وشيوخاً، من غير ذنب ولا حَدَثْ ولكن هذا الذي حَدَث!


وقال الأشقر في "الأضواء" [15]: (وخطورة هذه الفِرقة ومَنْ تابعها أنّها تَرُدُّ أمر الرّسول صلىّ الله عليه وسلّم بِقُحَّةٍ وجُرْأَة وتُخالفُ ما جاء به) اهـ


قال شيخ الإسلام - كما في "مجموع الفتاوى" [16] -: (والخوارج جَوَّزُوا على الرسول نفسه أن يَجُورَ ويَضِلَّ في سُنَّتِه، ولم يُوجِبوُا طاعته ومتابعته، وإنّما صَدَّقُوهُ فيما بَلَّغُهم من القرآن دون ما شرعه من السُنّة، التي تُخالفُ بزعمهم ظاهر القرآن) اهـ


وقارن لِزَاماً بـ "المجموع [ج:13/ص:8] لشيخ الإسلام أيضا.


واختلف العلماء عليهم رحمة الله في تكفيرهم إلى قولين: فذهب بعضهم كالقاضي أبي بكر المالكي والشيخ تقي الدين السبكي، وهو مقتضى أيضا صنيع البخاري رحمه الله في ترجمته إلى تكفيرهم، لكن الصواب - والله أعلم - أنّهم ضالّون مُضِلُّون لم يَكْفُرُوا.


قال شيخ الإسلام ابن تيمية رحمه الله تعالى: (ولم يُكفّرهم علي بن أبي طالب وسعد بن أبي وقاص وغيرهما من الصحابة، بل جعلوهم مسلمين مع قتالهم) اهـ 


قال شيخ الإسلام كما في "المجموع" [17]: (و أما جمهور أهل العلم فيفرق بين الخوارج المارقين وغير أهل الجمل وصفّين ممن يعد من البغاة المتأولين، وهذا هو المعروف عن الصحابة وعليه عامة أهل الحديث والفقهاء).


ثم قال أيضا في [ص54 إلى 55] : (وذلك أنه ثبت في الصحيح عن النبي صلى الله عليه وسلم أنّه قال: "تمرق مارقة على حين فرقة من المسلمين، تقتلهم أولى الطائفتين بالحق"، وهذا الحديث يتضمن ذكر الطوائف الثلاثة، ويبين أن المارقين نوع ثالث ليسوا من جنس أولئك) اهـ


قال الإمام ابن حزم رحمه الله في "المحلى" [19]: (و أما من دعا إلى أمر بمعروف أو نهى عن منكر وإظهار القرآن والسنن والحكم بالعدل فليس باغيا، بل الباغي من خالفه، وبالله التوفيق). 


وقال الحافظ ابن حجر في "الفتح" أيضا [20]: (وأما من خرج عن طاعة إمام جائر أراد الغَلَبَةَ على ماله أو نفسه أو أهله فهو معذور ولا يحل قتاله، وله أن يدفع عن نفسه أو ماله أو أهله بقدر طاقته) اهـ


وقال الحافظ أيضا في "الفتح" [21]: (وذهب جمهور الصحابة والتابعين إلى وجوب نصر الحق وقتال الباغين) اهـ


قال الإمام الطبري كما في "الفتح" [22]: (لو كان الواجب في كل اختلاف يقع بين المسلمين الهرَبُ منه بلزوم المنازل وكسر السيوف، لَمَا أُقيم حدُُّ ولا أُبطل باطل، ولَوَجَدَ أهل الفسوق سبيلا إلى ارتكاب المحرمات، من أخذ الأموال وسفك الدّماء وسَبْيِ الحريم، بأَنْ يحاربوهم ويَكُفَّ المسلمين أيديهم عنهم، بأًنْ يقولوا هذه فتنة وقد نُهيناَ عن القتال فيها، وهذا مخالف للأمر بالأخذ على أيدي السفهاء) اهـ


هذه أخي نُبَذُُ وخطوط عريضة عن الخوارج الضّالّين، وما ذكرته لك هو قِلُُ من جُلٍّ، وغيظُُ من فيظٍ، ومن رام التفاصيل ففي كتب العقائد والتّفاسير، والله المستعان.


سبحانك اللّهم وبحمدك، أشهد أن لا إله إلا أنت، أستغفرك وأتوب إليك.


[1] هذه خطبة الحاجة التي كان رسول الله صلى الله عليه وسلم يفتتح بها خطبته، ويُعلّمها أصحابه، روى هذه الخطبة ستّة من الصحابة رضي الله عنهم وقد أخرجها جمع من الأئمّة في مصنّفاتهم.
[2] الجزء السادس، ص2539.
[3] الجزء 12، ص296.
[4] الجزء 12، ص 297.
[5] ج12، ص297.
[6] ج2، ص502.
[7] ج1، ص221.
[8] ج1، ص105، 107.
[9] ج12، ص297.
[11] فتح الباري، ج 12، ص 297.
[12] ج12، ص298.
[13] ص 12.
[14] ص12 - 13.
[15] ص 15.
[16] ج19، ص73.
[17] ج35، ص54.
[18] ج4، ص556.
[19] ج11، ص335، برقم 2158.
[20] ج12، ص315.
[21] ج13، ص37.
[22] ج13، ص37.
 
أعلى