بسم الله الرحمن الرحيم
الحمد لله رب العالمين والصلاة والسلام على نبينا محمد الأمين ، وعلى آله وصحبه أجمعين .
أما بعد :
فهذه المقالة هي من ضمن السلسلة المتواصلة في نقض الشبه والتشغيبات التي اصطنعها وأحدثها الحزبية من القطبية والسرورية والحدادية والمميعة للطعن في العلامة القدوة الإمام ربيع بن هادي المدخلي ـ حفظه الله ورعاه ـ وللتشكيك في أصول المنهج السلفي الذي يسير عليه أهل الحديث وأهل السنة والجماعة قديما وحديثا ، والتي اسميتها كما بينت في مقالي السابق ( نقض فساد قولهم : أن الشيخ ربيعا المدخلي مضطرب متناقض في أحكامه ) بـ (قمع الدجال الطاعن في العلامة ربيع المدخلي والمشغب على أصول المنهج السلفي) ومما جاء فيه من بيان ترهاتهم ، بيان فساد قولهم : (الشيخ ربيع المدخلي لا يمتحن به حتى يصل الأمر إلى أن من أحبه وأثنى عليه فهو سني ومن أبغضه وطعن فيه فهو مبتدع !) ، ولتوضيح وبيان هذه التشغيبة ، قلت :
الأمر الأول : إن امتحان الناس بعلماء السنة قاعدة سلفية صحيحة وسنة متبعة كان عليها سلفنا الصالح ولا يزال أهل السنة والجماعة عليها إلى يومنا هذا ، ويوصون بها ويقررونها ، وهي من أظهر علامات التي يعرف بها السني من البدعي ، فغاظ هذا أهل البدع والفرقة ، فشغبوا حولها أيما تشغيب وأنكروا مشروعيتها ، وقالوا عنها بأنها بدعة محدثة ، ولهم من وراء هذا التشغيب أغراض وبواعث خبيثة وخاصة في هذه الآونة الأخيرة :
منها : ليفسح لهم المجال للطعن في مشايخ السنة والجماعة ، وخاصة من كان بارزا منهم في ميدان الرد على المخالف ، وأخص بالذكر أن سهمهم موجه إلى العلامة قدوة الأنام وبقية أئمة الإسلام ربيع المدخلي .
فإذا أنكرت عليهم هذا الصنيع وهذه الجريمة ، قالوا هذا شخص لا يصل به الأمر إلى أن يوالى و يعادى عليه ، والمسائل التي تكلم فيها وخطّأ فيها خصومه اجتهادية !
ومنها : إذا انتقدتهم وأنكرت عليهم دعوتهم لأخذ العلم عن رؤوس الضلال والإفساد ومدحهم لهم ودعوة الأمة للارتباط بهم والمقاربة منهم والتعاون معهم ، قالوا لك : يا أخي لا يكون اختلفنا في الأشخاص سببا للاختلاف ومنشأ العداوة والبغضاء بيننا ولا تختبرني بالأشخاص!!
هل عرفت يا أيها القارئ باعث القوم من رد هذه القاعدة السنية ، وماذا أرادوا من التشغيب حول سنيتها ومشروعيتها ؟؟
فالقوم يسعون للمحافظة على قاعدتهم الخبيثة ( المعذرة والتعاون) ، وإماتة الولاء والبراء السني الذي لا قوام و لا تمييز للإسلام إلا به ، وفسح المجال لإحداث البدع والمحافظة على أهلها .
ثم هم مع هذا لا يطبقون هذا على أنفسهم ، فهم إذا وجدوك تحترم أصول السنة وتصدع بها وتوقر أهلها وتنكر على من خالفها ، تحسسوا منك ورموك بأشنع ألقاب التنفير وامتحنوك بأصولهم البدعية ومشايخهم
قال شيخ الإسلام ابن تيمية في (مجموع الفتاوى)(4/ 145) : (( فَتَمْثِيلُ اللَّهِ بِخَلْقِهِ وَالْكَذِبُ عَلَى السَّلَفِ مِنْ الْأُمُورِ الْمُنْكَرَةِ سَوَاءٌ سُمِّيَ ذَلِكَ حَشْوًا أَوْ لَمْ يُسَمَّ. وَهَذَا يَتَنَاوَلُ كَثِيرًا مِنْ غَالِيَةِ الْمُثْبِتَةِ الَّذِينَ يَرْوُونَ أَحَادِيثَ مَوْضُوعَةً فِي الصِّفَاتِ مِثْلَ حَدِيثِ"عَرَقِ الْخَيْلِ" و" نُزُولُهُ عَشِيَّةَ عَرَفَةَ عَلَى الْجَمَلِ الْأَوْرَقِ حَتَّى يُصَافِحَ الْمُشَاةَ وَيُعَانِقَ الرُّكْبَانَ " ،" وَتَجَلِّيهِ لِنَبِيِّهِ فِي الْأَرْضِ " أَوْ " رُؤْيَتُهُ لَهُ عَلَى كُرْسِيٍّ بَيْنَ السَّمَاءِ وَالْأَرْضِ " أَوْ " رُؤْيَتُهُ إيَّاهُ فِي الطَّوَافِ " أَوْ " فِي بَعْضِ سِكَكِ الْمَدِينَةِ " إلَى غَيْرِ ذَلِكَ مِنْ الْأَحَادِيثِ الْمَوْضُوعَةِ.
فَقَدْ رَأَيْت مِنْ ذَلِكَ أُمُورًا مِنْ أَعْظَمِ الْمُنْكَرَاتِ وَالْكُفْرَانِ ، وَأَحْضَرَ لِي غَيْرُ وَاحِدٍ مِنْ النَّاسِ مِنْ الْأَجْزَاءِ وَالْكُتُبِ مَا فِيهِ مِنْ ذَلِكَ مَا هُوَ مِنْ الِافْتِرَاءِ عَلَى اللَّهِ وَعَلَى رَسُولِهِ.
وَقَدْ وَضَعَ لِتِلْكَ الْأَحَادِيثِ أَسَانِيدَ؛ حَتَّى إنَّ مِنْهُمْ مَنْ عَمَدَ إلَى كِتَابٍ صَنَّفَهُ الشَّيْخُ أَبُو الْفَرَجِ المقدسي فِيمَا يُمْتَحَنُ بِهِ السُّنِّيُّ مِنْ الْبِدْعِيِّ. فَجَعَلَ ذَلِكَ الْكِتَابَ مِمَّا أَوْحَاهُ اللَّهُ إلَى نَبِيِّهِ لَيْلَةَ الْمِعْرَاجِ وَأَمَرَهُ أَنْ يَمْتَحِنَ بِهِ النَّاسَ فَمَنْ أَقَرَّ بِهِ فَهُوَ سُنِّيٌّ وَمَنْ لَمْ يُقِرَّ بِهِ فَهُوَ بِدْعِيٌّ )) ا.هـ
الثاني : إن الذي يطعن في الشيخ ربيع بن هادي المدخلي ما أراد شخصه وذاته ، وإنما أراد السنة التي هو عليها ورد ما انتقده على رؤوسهم ورموزهم وما بينه من بدعهم ومحدثاتهم ، وليس الشيخ ربيع المدخلي وحيدا ممن تكالبت ألسنة وسهام أهل الباطل للطعن فيه ورمه بالعظائم ، فكل من قام مقامه للذب عن السنة وأهلها له من هذا النصيب والابتلاء على قدر ذبه ودفاعه عن السنة ، ولك أن تنظر يا أيها القارئ ما يتلقاه الإمامين الألباني وآمان الجامي ـ رحمهما الله ـ من التجريح والتسفيه والطعن من طرف أهل البدع والأهواء والقلوب المريضة والجهلة والغوغاء .
قال الشيخ بدر بن محمد البدر : (( الحمد لله رب العالمين : ذهبت أنا والأخ حمد بن رجا الظفيري إلى فضيلة الشيخ الوالد صالح الفوزان ، وصلينا معه صلاة العصر في مسجد حماد السلامة بحي الفيحاء بالرياض يوم الأربعاء-١٨-ذي الحجة-١٤٣٤
وبعد الصلاة مشينا معه وسألته بعض الأسئلة منها: قلت له يا شيخ صالح فيه رجل مصري أتاك وسألك عن الشيخ الألباني وقام بتسجيل ذلك سراً ونسب إليك كلاماً يوهم الطعن في عقيدة الألباني؟
قال الشيخ صالح: هذا كذب وافتراء ليس بصحيح أنا لا أطعن بالألباني ولا أحذر منه، هؤلاء يبحثون عن الفتن اتركوهم عنكم ولا تلتفتوا إليهم، ولا نعلم عن الألباني إلا خيراً.
فقلت للشيخ: الله يحفظك فعلاً يا شيخ هؤلاء يبحثون عن الفتن.
ثم بعد ذلك ذهبت أنا والأخ حمد إلى الشيخ الوالد صالح اللحيدان وكان عندي معه موعد بعد صلاة المغرب، وصلينا مع الشيخ صلاة المغرب بجامع اللحيدان بحي التعاون بالرياض، وبعدها قراءت على الشيخ بعض القواعد ومكثنا معه ما يقارب نصف ساعة، فقلت له: يا شيخنا فيه رجل مصري قام بتسجيل كلام للشيخ الفوزان وزعم فيه أن الشيخ الفوزان يطعن بالشيخ الألباني؟
فقال اللحيدان: الحمد لله أبىٰ الله إلا أن يُزكى الألباني في كل عصر وأن تكثر الأعمال في صحيفته، ولا أعلم ماذا يريدون منه؟ وهنا ثلاثة ليس للناس شغل إلا هم : الألباني ومحمد أمان الجامي وربيع المدخلي، وهم إخواننا نعرفهم جيداً وهم على خير.
كتبه : بدر بن محمد البدر / الرياض/ يوم الأربعاء/١٨-ذي الحجة-١٤٣٤ )) ا.هـ ([1])
قلت ( بشير ) : فقيامهم بالسنة ونهوضهم بها وبيانها والذب عنها هو الذي جرأ أهل الأهواء للطعن فيهم ، وإلا فلو سكتوا عن باطل أهل الفساد ، وداهنوهم ولينوا لهم ما تجرءوا للطعن فيهم .
قال الله تعالى :{ وَدُّوا لَوْ تُدْهِنُ فَيُدْهِنُونَ}[القلم :9]
قال العلامة القرطبي ـ رحمه الله ـ في (الجامع لأحكام القرآن)(18/ 230) : (( عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ:" وَدُّوا لَوْ تُرَخِّصُ لَهُمْ فَيُرَخِّصُونَ لَكَ" ، وَقَالَ الْفَرَّاءُ وَالْكَلْبِيُّ: " لَوْ تَلِينَ فَيَلِينُونَ لَكَ."
وَالِادِّهَانُ: التَّلْيِينُ لِمَنْ لَا يَنْبَغِي لَهُ التَّلْيِينُ، قَالَهُ الْفَرَّاءُ ، وَقَالَ مُجَاهِدٌ: "الْمَعْنَى وَدُّوا لَوْ رَكَنْتَ إِلَيْهِمْ وَتَرَكْتَ الْحَقَّ فَيُمَالِئُونَكَ." ، وقال الْحَسَنُ: "وَدُّوا لَوْ تُصَانِعُهُمْ فِي دِينِكَ فَيُصَانِعُونَكَ فِي دِينِهِمْ. "
وَعَنْهُ أَيْضًا: "وَدُّوا لَوْ تَرْفُضُ بَعْضَ أَمْرِكَ فَيَرْفُضُونَ بَعْضَ أَمْرِهِمْ. ")) ا.هـ
وقال العلامة الشوكاني ـ رحمه الله ـ في (فتح القدير)(5/ 320) : (( إِنَّ الْإِدْهَانَ: هُوَ الْمُلَايَنَةُ وَالْمُسَامَحَةُ وَالْمُدَارَاةُ.)) ا.هـ
قال الإمام السعدي ـ رحمه الله ـ في (تيسير الكريم الرحمن)(ص 879) : (( {وَدُّوا} أي: المشركون {لَوْ تُدْهِنُ} أي: توافقهم على بعض ما هم عليه، إما بالقول أو الفعل أو بالسكوت عما يتعين الكلام فيه، {فَيُدْهِنُونَ} ولكن اصدع بأمر الله، وأظهر دين الإسلام، فإن تمام إظهاره، بنقض ما يضاده، وعيب ما يناقضه.)) ا.هـ
الثالث : إن ممن رجف بهذه التشغيبة البائرة والثرثرة الفاشلة الحلبي وشرذمته الجائرة ، فكم شغبوا بها على أهل السنة والجماعة ، وسعوا إلى وأد أصالتها ومشروعيتها ، مع أن الحلبي كان يقر بمشروعيتها ويثبت أصالتها ردحا من زمان ([2]) ، فلما ركب البدعة وانحرف عن المحجة أدعى أنها بدعة ، وهذا من اضطرابه وتناقضه وتلونه الذي عرف به وما سببه إلا لخروجه عن المناهج النبوي والمسلك الصحابي، ومن الأسف الشديد أنه وجد رجالا ووقادا هم أعداء للدعوة السلفية قد تستروا من وراء نحلته المبتدعة فأججوا نار فتنته فزادت انتشارا واستحكاما في صفوف المسلمين فاغتر وفرح بذلك !!
وهم في هذه التشغيبة قد تمسكوا في إثارتها وتسليكها ببعض كلام أئمة السنة والجماعة ، ومنهم
ابن تيمية وابن عثيمين و الفوزان وغيرهم، كما هو في مقال الحلبي (قال شيخ الإسلام:امتحان المسلمين بالأشخاص:من البدع المخالفة لأهل السنة والجماعة.) .
ومن ذلك قول شيخ الإسلام ابن تيمية في ( مجموع الفتاوى)(3/ 414) : (( فَالْوَاجِبُ الِاقْتِصَارُ فِي ذَلِكَ، وَالْإِعْرَاضُ عَنْ ذِكْرِ يَزِيدَ بْنِ مُعَاوِيَةَ وَامْتِحَانِ الْمُسْلِمِينَ بِهِ فَإِنَّ هَذَا مِنْ الْبِدَعِ الْمُخَالِفَةِ لِأَهْلِ السُّنَّةِ وَالْجَمَاعَةِ فَإِنَّهُ بِسَبَبِ ذَلِكَ اعْتَقَدَ قَوْمٌ مِنْ الْجُهَّالِ أَنَّ يَزِيدَ بْنَ مُعَاوِيَةَ مِنْ الصَّحَابَةِ وَأَنَّهُ مِنْ أَكَابِرِ الصَّالِحِينَ وَأَئِمَّةِ الْعَدْلِ وَهُوَ خَطَأٌ بَيِّنٌ.))
وقول العلامة الفوزان لما سئل : هناك ظاهرة عند بعض الشباب وهي الامتحان بالأشخاص ، فإن وافقته فأنت من أهل السنة وإن خالفته فأنت مبتدع ، فما النصيحة في ذلك؟
فأجاب ـ حفظه الله ـ : (( النصيحة أن نقول من وافق الكتاب والسنة فهو من أهل السنة دون النظر إلى الأشخاص ، إلا محمد صلى الله عليه وسلم , نحن لا نتبع إلا رسول الله صلى الله عليه وسلم { لقد كان لكم في رسول الله أسوة حسنة }
وأما غيره فمن اتبعه اقتدينا به ومن خالفه فإننا نخالفه , فالمتَّبَع هو رسول الله صلى الله عليه وسلم
ولهذا يقول شيخ الإسلام رحمه الله : من زعم أن شخصا يجب اتباعه غير الرسول صلى الله عليه وسلم فإنه يستتاب وإن تاب وإلا قُتِل ,لأنه أثبت أن هناك من يُتبَع غير الرسول صلى الله عليه وسلم , فلا يُتبع إلا من اتبع الرسول صلى الله عليه وسلم ,
ولا نمتحن الناس بالأشخاص وإنما نمتحنهم بالكتاب والسنة , واتباع الرسول صلى الله عليه وسلم
إذا ( .... ) تمتحنه بشخص امتحنه بالرسول صلى الله عليه وسلم لأنه هو الذي يجب اتباعه والإقتداء به . نعم .)) ا.هـ
فقد فرح المميعة بهذا الكلام ، وطاروا به كل مطار للتشغيب على أهل السنة والحديث ، مع أن المتأمل في كلام الإمامين ابن تيمية والفوزان وفي مسلكهما ومنهجهما ودعوتهما يجده ينقض تأصيلهم المبتدع ويهدم ما بنوه بكلام الشيخين هذا وغيره مما جاء عن الأئمة مما هو من جنسه ، ولنا معهم وقفات يسيرة في هدم وإفساد ما بنوه من التأصيل المبتدع ، الذي ما توصلوا إلى بنائه وتقريره إلا بتحريف كلام الشيخين وتغيير معناه إلى ما يريدون ولو اقتضى ذلك بتره كما هي طريقة أهل البدع
الوقفة الأول : إن دعوة أئمة السنة والجماعة مبنية على نشر السنة والدعوة إليها واحترام أصولها ومن ذلك احترام أئمتها ومشايخها النبلاء ، وقد عدوا أن الطعن في علماء السنة هو ذريعة وستار يتستر من ورائه أهل الضلال والأهواء للطعن في الشريعة ورد أحكامها .
قال شيخ الإسلام ابن تيمية في (مجموع الفتاوى)(4/ 102 ـ 103) : (( أَنَّ الرَّفْضَ أَسَاسُ الزَّنْدَقَةِ وَأَنَّ أَوَّلَ مَنْ ابْتَدَعَ الرَّفْضَ إنَّمَا كَانَ مُنَافِقًا زِنْدِيقًا وَهُوَ عَبْدُ اللَّهِ بْنُ سَبَأٍ فَإِنَّهُ إذَا قَدَحَ فِي السَّابِقِينَ الْأَوَّلِينَ فَقَدْ قَدَحَ فِي نَقْلِ الرِّسَالَةِ أَوْ فِي فَهْمِهَا أَوْ فِي اتِّبَاعِهَا. فَالرَّافِضَةُ تَقْدَحُ تَارَةً فِي عِلْمِهِمْ بِهَا وَتَارَةً فِي اتِّبَاعِهِمْ لَهَا - وَتُحِيلُ ذَلِكَ عَلَى أَهْلِ الْبَيْتِ وَعَلَى الْمَعْصُومِ الَّذِي لَيْسَ لَهُ وُجُودٌ فِي الْوُجُودِ. وَالزَّنَادِقَةُ مِنْ الْفَلَاسِفَةِ وَالْنُصَيْرِيَّة وَغَيْرِهِمْ: يَقْدَحُونَ تَارَةً فِي النَّقْلِ: وَهُوَ قَوْلُ جُهَّالِهِمْ. وَتَارَةً يَقْدَحُونَ فِي فَهْمِ الرِّسَالَةِ: وَهُوَ قَوْلُ حُذَّاقِهِمْ كَمَا يَذْهَبُ إلَيْهِ أَكَابِرُ الْفَلَاسِفَةِ والاتحادية وَنَحْوِهِمْ. )) ا.هـ
وقال العلامة محمد بن صالح العثيمين رحمه الله : ((... بتوقير العلماء توقر الشريعة ، لأنهم حاملوها ، وبإهانة العلماء تهان الشريعة لأن العلماء إذا ذلوا وسقطوا أمام الناس ذلت الشريعة التي يحملونها ، ولم يبق لها قيمة عند الناس ، وصار كل إنسان يحتقرهم ويزدريهم فتضيع الشريعة)) ا.هـ ([3])
وقال العلامة الفوزان لما سئل : هل من الاجتماع: الاستخفاف بـ ( هيئة كبار العلماء)، ورًمْيِهِم بالمُداهنة والعَمَالَة ؟ .
الجواب : (( يجب احترام علماء المسلمين، لأنهم ورثة الأنبياء ، والاستخفاف بهم يُعتبر استخفافاً بمقامهم، ووراثتهم للنبي صلى الله عليه وسلم، واستخفافاً بالعلم الذي يحملونه .
ومن استخفّ بالعلماء استخفّ بغيرهم من المسلمين من باب أولى ، فالعلماء يجب احترامهم لعلمهم ولمكانتهم في الأمة، ولمسئوليّتهم التي يتولونها لصالح الإسلام والمسلمين، وإذا لم يوثق بالعلماء فبمن يوثق؟وإذا ضاعت الثقة بالعلماء فإلى من يرجع المسلمون لحل مشاكلهم، ولبيان الأحكام الشرعية؟
وحينئذ تضيع الأمة، وتشيع الفوضى .. وما من أحد استخفّ بالعلماء إلاّ وقد عرّض نفسه للعقوبة، والتاريخ خير شاهد على ذلك قديمًا وحديثًا، ولاسيّما إذا كان هؤلاء العلماء ممن وُكِلَ إليهم النظـر في قضـايا المسلمـين، كالقُضـاة، وهيئـة كبار العلماء )) ا.هـ ([4])
فبهذا يتبين أن أهل البدع والأهواء ما أردوا من طعنهم في حملة السنة وأئمتها إلا ليتوصلوا لرد الحق الذي معهم ، فكيف يأتي اليوم من يشغب ويقول أن امتحان أهل البدع بأهل السنة بدعة !؟
وقد عد السلف الصالح أن من علامات أهل البدع وقيعة في أهل الأثر وبغض أهل السنة ، وإطلاق الألقاب السيئة على أهل السنة ، فلا تجد مبتدعا قط يحب أهل السنة ، بل ينصب نفسه حربا عليهم يحاربهم بكل ما أوتي من قوة ويجند طاقاته من أجل حرب أهل السنة .
قال الإمام أبوعثمان الصابوني ـ رحمه الله ـ في (عقيدة السلف)(ص 299) : (( وعلامات البدع على أهلها بادية ظاهرة، وأظهر آياتهم وعلاماتهم شدةُ معاداتهم لحَمَلَة أخبار النبي صلى الله عليه وسلم واحتقارهم لهم واستخفافهم بهم وتسميتهم إياهم حَشَويَّة وجهلة وظاهرية ومشبِّهة ...
وروى الحاكم عن جَعْفَر بْنُ أَحْمَدَ بْنِ سِنَانٍ الْوَاسِطِي عن أَحْمَد بْن سِنَانٍ القطان قال :" لَيْسَ فِي الدُّنْيَا مُبْتَدِعٌ إِلَا وَهُوَ يُبْغِضُ أَهْلَ الْحَدِيثِ وَإِذَا ابْتَدَعَ الرَّجُلُ بِدْعَةً نُزِعَتْ حَلَاوَةُ الْحَدِيثِ مِنْ قَلْبِهِ"
وروي بسنده عن أبي حاتم الرازي قال: " علامة أهل البدع الوقيعة في أهل الأثر، وعلامة الزنادقة تسميتهم أهل الأثر حشوية يريدون بذلك إبطال الآثار، وعلامة القدرية تسميتهم أهل السنة مجبرة، وعلامة الجهمية تسميتهم أهل السنة مشبهة، وعلامة الرافضة تسميتهم أهل الأثر نابتة وناصبة." )) ا.هـ ([5])
الوقفة الثانية : استدلالهم بكلام شيخ الإسلام ابن تيمية من منعه ونهيه عن امتحان الأمة الإسلامية بيزيد بن معاوية على عدم مشروعية امتحان أهل البدع بأهل السنة يعد من المغالطات والتلبيسات التي عرفوا بها لإفساد هذا الأصل والقاعدة السنية الأصيلة وللتلبيس على الأمة .
وإلا فاستدلالهم هذا لا يخدمهم ولا يقيم حجتهم ولا يخدع به إلا الجهلة والضعفاء من المسلمين ، بل من تأمل كلام شيخ الإسلام سابقه ولاحقه عند ذكره قضية يزيد بن معاوية يجده حجة عليهم لا لهم وبيان ذلك يكون على النحو التالي
أولا : لم يتكلم السلف في يزيد بن معاوية ، ولا كان الكلام فيه من الدين ، وإنما آثر الكلام فيه أصحاب الفتن من الغلاة الذين كانوا على طرفي نقيض فيه ، منهم من غلى في تنقصه حتى كفره ، ومنهم من غلى في محبته والانتصار له حتى جعله من الصحابة ، بل حتى وصل ببعضهم إلى أن اعتقد فيه أنه من الأنبياء ، وهم ما أرادوا بهذا الكلام والغلو المحدث إلا لتفريق الأمة الإسلامية
ولهذا نهى شيخ الإسلام عن امتحان الأمة به ، وهذا بخلاف امتحان بالصحابة فقد كان السلف الصالح يمتحنون الأمة بهم فمن سبهم وشتمهم أمروا بعقوبته .
قال الإمام ابن تيمية : (( فَالرَّافِضَةُ لَمَّا كَانَتْ تَسُبُّ " الصَّحَابَةَ " صَارَ الْعُلَمَاءُ يَأْمُرُونَ بِعُقُوبَةِ مَنْ يَسُبُّ الصَّحَابَةَ ثُمَّ كَفَّرَتْ الصَّحَابَةَ وَقَالَتْ عَنْهُمْ أَشْيَاءَ قَدْ ذَكَرْنَا حُكْمَهُمْ فِيهَا فِي غَيْرِ هَذَا الْمَوْضِعِ. وَلَمْ يَكُنْ أَحَدٌ إذْ ذَاكَ يَتَكَلَّمُ فِي " يَزِيدَ بْنِ مُعَاوِيَةَ " وَلَا كَانَ الْكَلَامُ فِيهِ مِنْ الدِّينِ ثُمَّ حَدَثَتْ بَعْدَ ذَلِكَ أَشْيَاءُ فَصَارَ قَوْمٌ يُظْهِرُونَ لَعْنَةَ يَزِيدَ بْنِ مُعَاوِيَةَ. وَرُبَّمَا كَانَ غَرَضُهُمْ بِذَلِكَ التَّطَرُّقَ إلَى لَعْنَةِ غَيْرِهِ فَكَرِهَ أَكْثَرُ أَهْلِ السُّنَّةِ لَعْنَةَ أَحَدٍ بِعَيْنِهِ فَسَمِعَ بِذَلِكَ قَوْمٌ مِمَّنْ كَانَ يَتَسَنَّنُ؛ فَاعْتَقَدَ أَنَّ يَزِيدَ كَانَ مِنْ كِبَارِ الصَّالِحِينَ وَأَئِمَّةِ الْهُدَى. وَصَارَ الْغُلَاةُ فِيهِ عَلَى طَرَفَيْ نَقِيضِ هَؤُلَاءِ يَقُولُونَ: إنَّهُ كَافِرٌ زِنْدِيقٌ وَإِنَّهُ قَتَلَ ابْنَ بِنْتِ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَقَتَلَ الْأَنْصَارَ وَأَبْنَاءَهُمْ بِالْحَرَّةِ لِيَأْخُذَ بِثَأْرِ أَهْلِ بَيْتِهِ الَّذِينَ قُتِلُوا كُفَّارًا مِثْلُ جَدِّهِ لِأُمِّهِ عتبة بْنِ رَبِيعَةَ وَخَالِهِ الْوَلِيدِ؛ وَغَيْرِهِمَا وَيَذْكُرُونَ عَنْهُ مِنْ الِاشْتِهَارِ بِشُرْبِ الْخَمْرِ وَإِظْهَارِ الْفَوَاحِشِ أَشْيَاءَ.
وَأَقْوَامٌ يَعْتَقِدُونَ أَنَّهُ كَانَ إمَامًا عَادِلًا هَادِيًا مَهْدِيًّا وَأَنَّهُ كَانَ مِنْ الصَّحَابَةِ أَوْ أَكَابِرِ الصَّحَابَةِ وَأَنَّهُ كَانَ مِنْ أَوْلِيَاءِ اللَّهِ تَعَالَى. وَرُبَّمَا اعْتَقَدَ بَعْضُهُمْ أَنَّهُ كَانَ مِنْ الْأَنْبِيَاءِ وَيَقُولُونَ: مَنْ وَقَفَ فِي يَزِيدَ وَقَّفَهُ اللَّهُ عَلَى نَارِ جَهَنَّمَ...
وَهَذَا الْغُلُوُّ فِي يَزِيدَ مِنْ الطَّرَفَيْنِ خِلَافٌ لِمَا أَجْمَعَ عَلَيْهِ أَهْلُ الْعِلْمِ وَالْإِيمَانِ. فَإِنَّ يَزِيدَ بْنَ مُعَاوِيَةَ وُلِدَ فِي خِلَافَةِ عُثْمَانَ بْنِ عفان - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - وَلَمْ يُدْرِكْ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَلَا كَانَ مِنْ الصَّحَابَةِ بِاتِّفَاقِ الْعُلَمَاءِ؛ وَلَا كَانَ مِنْ الْمَشْهُورِينَ بِالدِّينِ وَالصَّلَاحِ وَكَانَ مِنْ شُبَّانِ الْمُسْلِمِينَ؛ وَلَا كَانَ كَافِرًا وَلَا زِنْدِيقًا؛ وَتَوَلَّى بَعْدَ أَبِيهِ عَلَى كَرَاهَةٍ مِنْ بَعْضِ الْمُسْلِمِينَ وَرِضًا مِنْ بَعْضِهِمْ وَكَانَ فِيهِ شَجَاعَةٌ وَكَرَمٌ وَلَمْ يَكُنْ مُظْهِرًا لِلْفَوَاحِشِ كَمَا يَحْكِي عَنْهُ خُصُومُهُ.)) ا.هـ ([6])
أما أهل السنة والجماعة فلا يحبونه محبة الصالحين وأولياء الله لما وقع منه من أمر أهل المدينة والظلم والعدوان ، وَطَائِفَةٌ أُخْرَى تَرَى مَحَبَّتَهُ لِأَنَّهُ مُسْلِمٌ تَوَلَّى عَلَى عَهْدِ الصَّحَابَةِ؛ وَبَايَعَهُ الصَّحَابَةُ. وَيَقُولُونَ: لَمْ يَصِحَّ عَنْهُ مَا نُقِلَ عَنْهُ وَكَانَتْ لَهُ مَحَاسِنُ أَوْ كَانَ مُجْتَهِدًا فِيمَا فَعَلَهُ.
قال الإمام ابن تيمية : (( وَلِهَذَا كَانَ الَّذِي عَلَيْهِ مُعْتَقَدُ أَهْلِ السُّنَّةِ وَأَئِمَّةِ الْأُمَّةِ أَنَّهُ لَا يُسَبُّ وَلَا يُحَبُّ ، قَالَ صَالِحُ بْنُ أَحْمَدَ بْنِ حَنْبَلٍ قُلْت لِأَبِي: إنَّ قَوْمًا يَقُولُونَ: إنَّهُمْ يُحِبُّونَ يَزِيدَ. قَالَ: يَا بُنَيَّ وَهَلْ يُحِبُّ يَزِيدَ أَحَدٌ يُؤْمِنُ بِاَللَّهِ وَالْيَوْمِ الْآخِرِ؟ فَقُلْت: يَا أَبَتِ فَلِمَاذَا لَا تلعنه؟ قَالَ: يَا بُنَيَّ وَمَتَى رَأَيْت أَبَاك يَلْعَنُ أَحَدًا؟ .
وَرُوِيَ عَنْهُ قِيلَ لَهُ: أَتَكْتُبُ الْحَدِيثَ عَنْ يَزِيدَ بْنِ مُعَاوِيَةَ؟ فَقَالَ: لَا، وَلَا كَرَامَةَ أَوَلَيْسَ هُوَ الَّذِي فَعَلَ بِأَهْلِ الْمَدِينَةِ مَا فَعَلَ؟ .
فَيَزِيدُ عِنْدَ عُلَمَاءِ أَئِمَّةِ الْمُسْلِمِينَ مَلِكٌ مِنْ الْمُلُوكِ. لَا يُحِبُّونَهُ مَحَبَّةَ الصَّالِحِينَ وَأَوْلِيَاءِ اللَّهِ؛ وَلَا يَسُبُّونَهُ، فَإِنَّهُمْ لَا يُحِبُّونَ لَعْنَةَ الْمُسْلِمِ الْمُعِينِ؛ لِمَا رَوَى الْبُخَارِيُّ فِي صَحِيحِهِ عَنْ عُمَرَ بْنِ الْخَطَّابِ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ أَنَّ رَجُلًا كَانَ يُدْعَى حِمَارًا وَكَانَ يُكْثِرُ شُرْبَ الْخَمْرِ وَكَانَ كُلَّمَا أُتِيَ بِهِ إلَى النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ ضَرَبَهُ ، فَقَالَ رَجُلٌ: لَعَنَهُ اللَّهُ مَا أَكْثَرَ مَا يُؤْتَى بِهِ إلَى النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَقَالَ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ :" لَا تَلْعَنْهُ فَإِنَّهُ يُحِبُّ اللَّهَ وَرَسُولَهُ " .
وَمَعَ هَذَا فَطَائِفَةٌ مِنْ أَهْلِ السُّنَّةِ يُجِيزُونَ لَعْنَهُ لأنهم يَعْتَقِدُونَ أَنَّهُ فَعَلَ مِنْ الظُّلْمِ مَا يَجُوزُ لَعْنُ فَاعِلِهِ. وَطَائِفَةٌ أُخْرَى تَرَى مَحَبَّتَهُ لِأَنَّهُ مُسْلِمٌ تَوَلَّى عَلَى عَهْدِ الصَّحَابَةِ؛ وَبَايَعَهُ الصَّحَابَةُ ، وَيَقُولُونَ: لَمْ يَصِحَّ عَنْهُ مَا نُقِلَ عَنْهُ وَكَانَتْ لَهُ مَحَاسِنُ أَوْ كَانَ مُجْتَهِدًا فِيمَا فَعَلَهُ.
وَالصَّوَابُ هُوَ مَا عَلَيْهِ الْأَئِمَّةُ: مِنْ أَنَّهُ لَا يُخَصُّ بِمَحَبَّةِ وَلَا يُلْعَنُ. وَمَعَ هَذَا فَإِنْ كَانَ فَاسِقًا أَوْ ظَالِمًا فَاَللَّهُ يَغْفِرُ لِلْفَاسِقِ وَالظَّالِمِ لَاسِيَّمَا إذَا أَتَى بِحَسَنَاتِ عَظِيمَةٍ.
وَقَدْ رَوَى الْبُخَارِيُّ فِي صَحِيحِهِ عَنْ ابْنِ عُمَرَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمَا أَنَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ:" أَوَّلُ جَيْشٍ يَغْزُو الْقُسْطَنْطِينِية مَغْفُورٌ لَهُ " ، وَأَوَّلُ جَيْشٍ غَزَاهَا كَانَ أَمِيرُهُمْ يَزِيدَ بْنَ مُعَاوِيَةَ وَكَانَ مَعَهُ أَبُو أَيُّوبَ الْأَنْصَارِيُّ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ. )) ا.هـ ([7])
قلت ( بشير) : إذا كف السلف من الامتحان بيزيد ، فكيف يتجرأ الخلف على الامتحان به !
وقد عرفت يا أيها القارئ بعض سوابقه الحسنة التي حملت بعض السلف على محبته ، وبعض الأخر على عدم لعنه والكف عن سبه وشتمه ، وهم في ذلك لم يختلفوا في قتال الخوارج وسب أهل البدع وقتال رؤوسهم وعقوبة من سب أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم ، واتهام وغمز من طعن في أهل الحديث أو تنقصهم وعدوا ذلك من الزندقة والنفاق .
قال شيخ الإسلام ابن تيمية في (مجموع الفتاوى)(4/96 ـ 97) : (( أَنَّ الَّذِينَ يَعِيبُونَ أَهْلَ الْحَدِيثِ وَيَعْدِلُونَ عَنْ مَذْهَبِهِمْ جَهَلَةٌ زَنَادِقَةٌ مُنَافِقُونَ بِلَا رَيْبٍ ، وَلِهَذَا لَمَّا بَلَغَ الْإِمَامَ أَحْمَدَ عَنْ ابْنِ أَبِي قتيلة " أَنَّهُ ذَكَرَ عِنْدَهُ أَهْلُ الْحَدِيثِ بِمَكَّةَ فَقَالَ: قَوْمُ سَوْءٍ. فَقَامَ الْإِمَامُ أَحْمَدُ - وَهُوَ يَنْفُضُ ثَوْبَهُ وَيَقُولُ: زِنْدِيقٌ زِنْدِيقٌ زِنْدِيقٌ. وَدَخَلَ بَيْتَهُ. فَإِنَّهُ عَرَفَ مَغْزَاهُ.
وَعَيْبُ الْمُنَافِقِينَ لِلْعُلَمَاءِ بِمَا جَاءَ بِهِ الرَّسُولُ قَدِيمٌ مِنْ زَمَنِ الْمُنَافِقِينَ الَّذِينَ كَانُوا عَلَى عَهْدِ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ. )) ا.هـ
فتأمل يا أيها القارئ الكريم هذا الفارق لتقف على وهاء شبهة القوم وفسادها ، وأنهم يتمسكون في تسليك نحلتهم البائرة بحجج هي أوهى من بيت العنكبوت ، وأنها { كَسَرَابٍ بِقِيعَةٍ يَحْسَبُهُ الظَّمْآنُ مَاء حَتَّى إِذَا جَاءهُ لَمْ يَجِدْهُ شَيْئًا } .
ثانيا : قد قرر شيخ الإسلام بعدما ذكر مسألة يزيد بن معاوية وجوب مولاة المؤمنين بعضهم لبعض ووجوب معاداة الكافرين ، حيث قال : (( وَاَللَّهُ سُبْحَانَهُ قَدْ أَوْجَبَ مُوَالَاةَ الْمُؤْمِنِينَ بَعْضُهُمْ لِبَعْضِ وَأَوْجَبَ عَلَيْهِمْ مُعَادَاةَ الْكَافِرِينَ ، فَقَالَ تَعَالَى: { يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لَا تَتَّخِذُوا الْيَهُودَ وَالنَّصَارَى أَوْلِيَاءَ بَعْضُهُمْ أَوْلِيَاءُ بَعْضٍ وَمَنْ يَتَوَلَّهُمْ مِنْكُمْ فَإِنَّهُ مِنْهُمْ إِنَّ اللَّهَ لَا يَهْدِي الْقَوْمَ الظَّالِمِينَ ، فَتَرَى الَّذِينَ فِي قُلُوبِهِمْ مَرَضٌ يُسَارِعُونَ فِيهِمْ يَقُولُونَ نَخْشَى أَنْ تُصِيبَنَا دَائِرَةٌ فَعَسَى اللَّهُ أَنْ يَأْتِيَ بِالْفَتْحِ أَوْ أَمْرٍ مِنْ عِنْدِهِ فَيُصْبِحُوا عَلَى مَا أَسَرُّوا فِي أَنْفُسِهِمْ نَادِمِينَ ، وَيَقُولُ الَّذِينَ آمَنُوا أَهَؤُلَاءِ الَّذِينَ أَقْسَمُوا بِاللَّهِ جَهْدَ أَيْمَانِهِمْ إِنَّهُمْ لَمَعَكُمْ حَبِطَتْ أَعْمَالُهُمْ فَأَصْبَحُوا خَاسِرِينَ يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا مَنْ يَرْتَدَّ مِنْكُمْ عَنْ دِينِهِ فَسَوْفَ يَأْتِي اللَّهُ بِقَوْمٍ يُحِبُّهُمْ وَيُحِبُّونَهُ أَذِلَّةٍ عَلَى الْمُؤْمِنِينَ أَعِزَّةٍ عَلَى الْكَافِرِينَ يُجَاهِدُونَ فِي سَبِيلِ اللَّهِ وَلَا يَخَافُونَ لَوْمَةَ لَائِمٍ ذَلِكَ فَضْلُ اللَّهِ يُؤْتِيهِ مَنْ يَشَاءُ وَاللَّهُ وَاسِعٌ عَلِيمٌ إِنَّمَا وَلِيُّكُمُ اللَّهُ وَرَسُولُهُ وَالَّذِينَ آمَنُوا الَّذِينَ يُقِيمُونَ الصَّلَاةَ وَيُؤْتُونَ الزَّكَاةَ وَهُمْ رَاكِعُونَ ، وَمَنْ يَتَوَلَّ اللَّهَ وَرَسُولَهُ وَالَّذِينَ آمَنُوا فَإِنَّ حِزْبَ اللَّهِ هُمُ الْغَالِبُونَ} ...
وَفِي الصِّحَاحِ عَنْ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَنَّهُ قَالَ:{مَثَلُ الْمُؤْمِنِينَ فِي تَوَادِّهِمْ وَتَرَاحُمِهِمْ وَتَعَاطُفِهِمْ كَمَثَلِ الْجَسَدِ الْوَاحِدِ إذَا اشْتَكَى مِنْهُ عُضْوٌ تَدَاعَى لَهُ سَائِرُ الْجَسَدِ بِالْحُمَّى وَالسَّهَرِ} ، وَفِي الصِّحَاحِ أَيْضًا أَنَّهُ قَالَ: {الْمُؤْمِنُ لِلْمُؤْمِنِ كَالْبُنْيَانِ يَشُدُّ بَعْضُهُ بَعْضًا وَشَبَّكَ بَيْنَ أَصَابِعِهِ} ، وَفِي الصِّحَاحِ أَيْضًا أَنَّهُ قَالَ: {وَاَلَّذِي نَفْسِي بِيَدِهِ لَا يُؤْمِنُ أَحَدُكُمْ حَتَّى يُحِبَّ لِأَخِيهِ مَا يُحِبُّ لِنَفْسِهِ} وَقَالَ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ {الْمُسْلِمُ أَخُو الْمُسْلِمِ لَا يُسْلِمُهُ وَلَا يَظْلِمُهُ} وَأَمْثَالُ هَذِهِ النُّصُوصِ فِي الْكِتَابِ وَالسُّنَّةِ كَثِيرَةٌ. وَقَدْ جَعَلَ اللَّهُ فِيهَا عِبَادَهُ الْمُؤْمِنِينَ بَعْضَهُمْ أَوْلِيَاءَ بَعْضٍ وَجَعَلَهُمْ إخْوَةً وَجَعَلَهُمْ مُتَنَاصِرِينَ مُتَرَاحِمِينَ مُتَعَاطِفِينَ وَأَمَرَهُمْ سُبْحَانَهُ بالائتلاف وَنَهَاهُمْ عَنْ الِافْتِرَاقِ وَالِاخْتِلَافِ فَقَالَ: {وَاعْتَصِمُوا بِحَبْلِ اللَّهِ جَمِيعًا وَلَا تَفَرَّقُوا} ،وَقَالَ: {إنَّ الَّذِينَ فَرَّقُوا دِينَهُمْ وَكَانُوا شِيَعًا لَسْتَ مِنْهُمْ فِي شَيْءٍ إنَّمَا أَمْرُهُمْ إلَى اللَّهِ} الْآيَةَ. فَكَيْفَ يَجُوزُ مَعَ هَذَا لِأُمَّةِ مُحَمَّدٍ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَنْ تَفْتَرِقَ وَتَخْتَلِفَ حَتَّى يُوَالِيَ الرَّجُلُ طَائِفَةً وَيُعَادِيَ طَائِفَةً أُخْرَى بِالظَّنِّ وَالْهَوَى؛ بِلَا بُرْهَانٍ مِنْ اللَّهِ تَعَالَى. وَقَدْ بَرَّأَ اللَّهُ نَبِيَّهُ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ مِمَّنْ كَانَ هَكَذَا. فَهَذَا فِعْلُ أَهْلِ الْبِدَعِ؛ كَالْخَوَارِجِ الَّذِينَ فَارَقُوا جَمَاعَةَ الْمُسْلِمِينَ وَاسْتَحَلُّوا دِمَاءَ مَنْ خَالَفَهُمْ.
وَأَمَّا أَهْلُ السُّنَّةِ وَالْجَمَاعَةِ فَهُمْ مُعْتَصِمُونَ بِحَبْلِ اللَّهِ وَأَقَلُّ مَا فِي ذَلِكَ أَنْ يُفَضِّلَ الرَّجُلُ مَنْ يُوَافِقُهُ عَلَى هَوَاهُ وَإِنْ كَانَ غَيْرُهُ أَتْقَى لِلَّهِ مِنْهُ. وَإِنَّمَا الْوَاجِبُ أَنْ يُقَدِّمَ مَنْ قَدَّمَهُ اللَّهُ وَرَسُولُهُ، وَيُؤَخِّرَ مَنْ أَخَّرَهُ اللَّهُ وَرَسُولُهُ، وَيُحِبَّ مَا أَحَبَّهُ اللَّهُ وَرَسُولُهُ، وَيُبْغِضَ مَا أَبْغَضَهُ اللَّهُ وَرَسُولُهُ؛ وَيَنْهَى عَمَّا نَهَى اللَّهُ عَنْهُ وَرَسُولُهُ وَأَنْ يَرْضَى بِمَا رَضِيَ اللَّهُ بِهِ وَرَسُولُهُ؛ وَأَنْ يَكُونَ الْمُسْلِمُونَ يَدًا وَاحِدَةً فَكَيْفَ إذَا بَلَغَ الْأَمْرُ بِبَعْضِ النَّاسِ إلَى أَنْ يُضَلِّلَ غَيْرَهُ وَيُكَفِّرَهُ وَقَدْ يَكُونُ الصَّوَابُ مَعَهُ وَهُوَ الْمُوَافِقُ لِلْكِتَابِ وَالسُّنَّةِ ... )) إلخ كلامه رحمه الله ([8])
قلت ( بشير) : فكلام شيخ الإسلام ـ رحمه الله ـ هذا فيه دعوة المسلمين إلى الاعتصام بالكتاب والسنة ونبذ الاختلاف والفرقة التي هي من أخص خصائص أهل البدع ومنهم الخوارج ، وفيه تقديم ومولاة ومحبة ومناصرة من قدمه الله ورسوله صلى الله عليه وسلم ولا يكون هذا التقديم والمحبة والمناصرة والمولاة إلا لمن تمسك بالسنة وعمل بها ودعا إليها ، وهذا لا يدخل فيه أهل البدع والأهواء إذ أنهم نقضوا أصل محبتهم ومناصرتهم لما هم عليه من إحداث البدع وسعيهم إلى تفريق الأمة الإسلامية وعداوتهم لأهل الإيمان ، ولما انعقد الإجماع وتضافرت الأدلة على عداوتهم وبغضهم وهجرهم وإذلالهم وزجرهم والتحذير منهم والتنكيل بهم ، ومن كان كذلك فكيف يقال أنهم لا يمتحنون بأهل السنة وهم أظهروا عداوتهم لهم وخالفوا النصوص الدالة على مولاة ومناصرة المؤمنين !
فتأمل ذلك يا أيها القارئ .
ثالثا : إن الذي نهى عنه وحذر منه أئمة السنة والجماعة ومنهم شيخ الإسلام ابن تيمية هو أن تتعصب كل جماعة من المسلمين من أهل السنة والجماعة لإمامها من الأئمة الأربعة أو لغيرهم من أئمة السنة ويعقدون على ذلك الإمام الولاء والبراء ويمتحنون به غيرهم من المسلمين ممن هو على غير مذهبهم أو ممن لم يتبن قولهم حتى يصل أمرهم إلى الافتراق والاختلاف وينشب بينها القتال والخصام , مع أن الخلاف بينهم لم يكن في أصل دينهم ومصادره الأصلية ، وإنما كان الخلاف في أشياء لا تمس وحدة المسلمين الحقيقة ، وهو أمر لابد أن يكون ([9] ) ، وعلى هذا يتنزل كلام شيخ الإسلام ابن تيمية من نهيه عن امتحان الأمة بالأئمة ، إذ قال ـ رحمه الله ـ بعد تفصيل مسألة يزيد بن معاوية : ((فَصْلٌ: وَكَذَلِكَ التَّفْرِيقُ بَيْنَ الْأُمَّةِ وَامْتِحَانِهَا بِمَا لَمْ يَأْمُرْ اللَّهُ بِهِ وَلَا رَسُولُهُ: مِثْلَ أَنْ يُقَالَ لِلرَّجُلِ: أَنْتَ شكيلي، أَوْ قرفندي، فَإِنَّ هَذِهِ أَسْمَاءٌ بَاطِلَةٌ مَا أَنْزَلَ اللَّهُ بِهَا مِنْ سُلْطَانٍ وَلَيْسَ فِي كِتَابِ اللَّهِ وَلَا سُنَّةِ رَسُولِهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَلَا فِي الْآثَارِ الْمَعْرُوفَةِ عَنْ سَلَفِ الْأَئِمَّةِ لَا شكيلي وَلَا قرفندي ، وَالْوَاجِبُ عَلَى الْمُسْلِمِ إذَا سُئِلَ عَنْ ذَلِكَ أَنْ يَقُولَ: لَا أَنَا شكيلي وَلَا قرفندي؛ بَلْ أَنَا مُسْلِمٌ مُتَّبِعٌ لِكِتَابِ اللَّهِ وَسُنَّةِ رَسُولِهِ. وَقَدْ رَوَيْنَا عَنْ مُعَاوِيَةَ بْنِ أَبِي سُفْيَانَ: أَنَّهُ سَأَلَ عَبْدَ اللَّهِ بْنَ عَبَّاسٍ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمَا فَقَالَ: أَنْتَ عَلَى مِلَّةِ عَلِيٍّ أَوْ مِلَّةِ عُثْمَانَ؟ فَقَالَ: لَسْتُ عَلَى مِلَّةِ عَلِيٍّ وَلَا عَلَى مِلَّةِ عُثْمَانَ بَلْ أَنَا عَلَى مِلَّةِ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ .
وَكَذَلِكَ كَانَ كُلٌّ مِنْ السَّلَفِ يَقُولُونَ: كُلُّ هَذِهِ الْأَهْوَاءِ فِي النَّارِ: وَيَقُولُ أَحَدُهُمْ: مَا أُبَالِي أَيُّ النِّعْمَتَيْنِ أَعْظَمُ؟ عَلَى أَنْ هَدَانِي اللَّهُ لِلْإِسْلَامِ أَوْ أَنْ جَنَّبَنِي هَذِهِ الْأَهْوَاءَ، وَاَللَّهُ تَعَالَى قَدْ سَمَّانَا فِي الْقُرْآنِ: الْمُسْلِمِينَ الْمُؤْمِنِينَ عِبَادَ اللَّهِ فَلَا نَعْدِلُ عَنْ الْأَسْمَاءِ الَّتِي سَمَّانَا اللَّهُ بِهَا إلَى أَسْمَاءٍ أَحْدَثَهَا قَوْمٌ - وَسَمَّوْهَا هُمْ وَآبَاؤُهُمْ - مَا أَنْزَلَ اللَّهُ بِهَا مِنْ سُلْطَانٍ.
بَلْ الْأَسْمَاءُ الَّتِي قَدْ يَسُوغُ التَّسَمِّي بِهَا مِثْلُ انْتِسَابِ النَّاسِ إلَى إمَامٍ كَالْحَنَفِيِّ وَالْمَالِكِيِّ وَالشَّافِعِيِّ وَالْحَنْبَلِيِّ أَوْ إلَى شَيْخٍ كَالْقَادِرِيِّ والعدوي وَنَحْوِهِمْ أَوْ مِثْلُ الِانْتِسَابِ إلَى الْقَبَائِلِ: كَالْقَيْسِيِّ وَالْيَمَانِيِّ وَإِلَى الْأَمْصَارِ كَالشَّامِيِّ وَالْعِرَاقِيِّ وَالْمِصْرِيِّ. فَلَا يَجُوزُ لِأَحَدِ أَنْ يَمْتَحِنَ النَّاسَ بِهَا وَلَا يُوَالِيَ بِهَذِهِ الْأَسْمَاءِ وَلَا يُعَادِيَ عَلَيْهَا بَلْ أَكْرَمُ الْخَلْقِ عِنْدَ اللَّهِ أَتْقَاهُمْ مِنْ أَيِّ طَائِفَةٍ كَانَ. )) ا.هـ ([10])
وقال الشيخ المفضال المبجل محمد بن هادي المدخلي ـ حفظه الله ورعاه ـ في ( الإقناع بما جاء عن أئمة الدعوة من أقوال في الإتباع)( ص 44) ذاكرا قول شيخ الإسلام ابن تيمية ـ رحمه الله ـ في تقرير هذا الشأن : (( إِنَّهُ مَتى اعْتقد أَنه على النَّاس اتِّبَاع وَاحِد بِعَيْنِه من هَؤُلَاءِ الْأَئِمَّة دون الإِمَام الآخر فَإِنَّهُ يجب أَن يُسْتَتَاب فَإِن تَابَ وَإِلَّا قتل .
بل غَايَة مَا يُقَال إِنَّه يسوغ أَو يَنْبَغِي أَو يجب على الْعَاميّ أَن يُقَلّد وَاحِد لَا بِعَيْنِه من غير تعْيين زيد وَلَا عَمْرو .
وَأما أَن يَقُول قَائِل إِنَّه يجب على الْأمة تَقْلِيد فلَان أَو فلَان فَهَذَا لَا يَقُوله مُسلم
وَمن كَانَ مواليا محبا لَهُم يُقَلّد كل وَاحِد مِنْهُم فِيمَا يظْهر لَهُ أَنه مُوَافق للسّنة فَهُوَ محسن فِي ذَلِك بل هُوَ أحسن حَالا من غَيره ، فالأئمة اجْتِمَاعهم حجَّة قَاطِعَة وَاخْتِلَافهمْ رَحْمَة وَاسِعَة .
فَمن تعصب لوَاحِد بِعَيْنِه كَانَ بمنزلة الرافضة الَّذين يتعصبون لوَاحِد من الصَّحَابَة دون غَيره وكالخوارج .
وَهَذِه طَريقَة أهل الْبدع والأهواء الَّذين هم خارجون عَن الشَّرِيعَة بِإِجْمَاع الْأمة وَالْكتاب وَالسّنة
ثمَّ عَامَّة المتعصبين لوَاحِد إِمَّا مَالك أَو الشَّافِعِي أَو أَحْمد أَو أبي حنيفَة أَو غَيره غَايَته أَن يكون جَاهِلا بِقَدرِهِ فِي الْعلم وَالدّين وبقدر الآخرين فَيكون جَاهِلا ظَالِما وَالله يَأْمر بِالْعلمِ وبالعدل وَينْهى عَن الْجَهْل وَالظُّلم
فَالْوَاجِب مُوالَاة الْمُؤمنِينَ وَالْعُلَمَاء وَقصد الْحق واتباعه .
وليعلم أَن من اجْتهد مِنْهُم فَأصَاب فَلهُ أَجْرَانِ وَمن اجْتهد فَأَخْطَأَ فَلهُ أجر
وبلاد الشرق من أَسبَاب تسليط الله عَلَيْهِم التّرْك كَثْرَة التَّفَرُّق والفتن بَينهم فِي الْمذَاهب وكل ذَلِك من الِاخْتِلَاف الَّذِي ذمه الله فَإِن الِاعْتِصَام بِالْجَمَاعَة والائتلاف من أصُول الدّين وَالْوَاجِب على الْخلق اتِّبَاع الْمَعْصُوم الَّذِي لَا ينْطق عَن الْهوى إِن هُوَ إِلَّا وَحي يُوحى {فَلَا وَرَبك لَا يُؤمنُونَ حَتَّى يُحَكِّمُوك فِيمَا شجر بَينهم ثمَّ لَا يَجدوا فِي أنفسهم حرجا مِمَّا قضيت ويسلموا تَسْلِيمًا}[النساء :65]
فعلى أَقْوَاله وأحواله وأفعاله توزن جَمِيع الْأَحْوَال والأقوال وَالْأَفْعَال )) ا.هـ ([11])
وما نبه عليه شيخ الإسلام فيما نقلت من كلامه هنا فيما يخص تقرير هذه المسألة هو عين ما يتنزل عليه كلام العلامة الفوزان التالي : (( النصيحة أن نقول من وافق الكتاب والسنة فهو من أهل السنة دون النظر إلى الأشخاص ، إلا محمد صلى الله عليه وسلم , نحن لا نتبع إلا رسول الله صلى الله عليه وسلم { لقد كان لكم في رسول الله أسوة حسنة }
وأما غيره فمن اتبعه اقتدينا به ومن خالفه فإننا نخالفه , فالمتَّبَع هو رسول الله صلى الله عليه وسلم .
ولهذا يقول شيخ الإسلام رحمه الله : من زعم أن شخصا يجب اتباعه غير الرسول صلى الله عليه وسلم فإنه يستتاب وإن تاب وإلا قُتِل ,لأنه أثبت أن هناك من يُتبَع غير الرسول صلى الله عليه وسلم , فلا يُتبع إلا من اتبع الرسول صلى الله عليه وسلم , ولا نمتحن الناس بالأشخاص وإنما نمتحنهم بالكتاب والسنة , واتباع الرسول صلى الله عليه وسلم
إذا ( .... ) تمتحنه بشخص امتحنه بالرسول صلى الله عليه وسلم لأنه هو الذي يجب اتباعه والإقتداء به . نعم .)) ا.هـ
قوله :" من زعم أن شخصا يجب اتباعه غير الرسول صلى الله عليه وسلم فإنه يستتاب وإن تاب وإلا قُتِل" ، فأهل البدع والأهواء ومنهم الحدادية والمميعة الحزبية الجديدة هم أهل بهذا الحكم وأولى به وخاصة رؤوسهم ورموزهم الذين ابتدعوا أصولا ما أنزل الله بها من سلطان ، ودعوا الناس إليها وامتحنوهم بها ، وتعصبوا لها وحزبوا الناس من أجلها ، حتى تفرقت الأمة ومزقوا صفها .
قال العلامة ربيع المدخلي مبينا فساد هذا التعصب والتحزب الذميم وعواقبه الوخيمة ، مستدلا في ذلك بكلام شيخ الإسلام ابن تيمية ، معلقا عليه : (( وقد شاع التفرق والتحزب في هذا العصر المليء بالفتن والمكتظ بالكوارث وهو أمر خطير على الأمة في دينها ودنياها .
قال شيخ الإسلام ابن تيمية رحمه الله تعالى : "وليس للمعلمين أن يحزبوا الناس ويفعلوا ما يلقي بينهم العداوة والبغضاء بل يكونون مثل الإخوة المتعاونين على البر والتقوى كما قال تعالى :{وتعاونوا على البر والتقوى ولا تعاونوا على الإثم والعدوان}[المائدة :2].
وليس لأحد منهم أن يأخذ على أحد عهداً بموافقته على كل ما يريده وموالاة من يواليه ومعاداة من يعاديه، بل من فعل هذا كان من جنس جنكيز خان وأمثاله الذين يجعلون من وافقهم صديقا ولياً ومن خالفهم عدواً بغيضاً . بل عليهم وعلى أتباعهم عهد الله ورسوله بأن يطيعوا الله ورسوله ويفعلوا ما أمر الله به ورسوله ويحرموا ما حرم الله ورسوله ويرعوا حقوق المعلمين كما أمر الله ورسوله ، فإن كان أستاذ أحد مظلوماً نصره وإن كان ظالما لم يعاونه على الظلم بل يمنعه منه ، كما ثبت في الصحيح عن النبي صلى الله عليه وسلم قال :"انصر أخاك ظالما أو مظلوما ". "
قال الشيخ ربيع : وهذا يكاد ينعدم الآن في الجماعات الإسلامية ينصر أخاه ظالماً أو مظلوماً على المنهج والطريق الجاهلي مع الأسف الشديد ! وهذا أمر معروف لاشك ، ولكن علينا أن نتوب إلى الله تبارك وتعالى ونرجع إلى هذا الحق الذي ربانا عليه رسول الله ، والذي يريده الله تباك وتعالى لنا أن نكون محبين للحق مناصرين له ، ثم قال بعد ذلك ـ أي شيخ الإسلام ـ : " فإن وقع بين معلم ومعلم وتلميذ وتلميذ ومعلم وتلميذ خصومة ومشاجرة لم يجز لأحد أن يعين أحدهما حتى يعلم الحق ، فلا يعاونه بجهل ولا بهوى بل ينظر في الأمر فإذا تبين له الحق أعان المحق منهما على المبطل سواء كان المحق من أصحابه أو أصحاب غيره ، وسواء كان المبطل من أصحابه أو أصحاب غيره ، فيكون المقصود عبادة الله وحده وطاعة رسوله واتباع الحق قال تعالى :{يا أيها الذين آمنوا كونوا قوامين بالقسط شهداء لله ولو على أنفسكم أو الوالدين والأقربين إن يكن غنيا أو فقيرا فالله أولى بهما فلا تتبعوا الهوى أن تعدلوا وإن تلووا أو تعرضوا فإن الله كان بما تعملون خبيرا } [النساء :135].
يقال : لوى يلوي لسانه فيخبر بالكذب ، والإعراض أن يكتم الحق فإن الساكت عن الحق شيطان أخرس ، ومن مال مع صاحبه سواء كان الحق له أو عليه فقد حكم بحكم الجاهلية وخرج عن حكم الله ورسوله .
والواجب على جميعهم أن يكونوا يداً واحدة مع المحق على المبطل فيكون المعظم عندهم من عظمه الله ورسوله ، ويكون المقدم عندهم من قدمه الله ورسوله ، والمحبوب عندهم من أحبه الله ورسوله ، والمهان عندهم من أهانه الله ورسوله ، بحسب ما يرضى الله ورسوله لا بحسب الأهواء ، فإنه من يطع الله ورسوله فقد رشد ومن يعص الله ورسوله فإنه لا يضر إلا نفسه .
فهذا هو الأصل الذي عليه الاعتماد وحينئذ فلا حاجة إلى تفرقهم وتشيعهم ، قال تعالى :{إن الذين فرقوا دينهم وكانوا شيعا لست منهم في شيء}[الأنعام : 159] ، وقال تعالى :{ولا تكونوا كالذين تفرقوا واختلفوا من بعد ما جاءهم البينات}[آل عمران :105] ا.هـ كلام ابن تيمية رحمه الله ([12])
قال الشيخ ربيع : فيجب على كل مسلم أن يفتش نفسه فقد يميل إنسان إلى صاحب الحق لهوى ، فقبل أن يتبين له الحق يتمنى أن يكون فلان هو المنتصر بالحجة أو غيرها فتميل نفسه لأنه فلان ، ولو كان على الحق لا يجوز أن يوجد هذا الميل، فيقول: إذا وجد هذا الميل ولو مع صاحب الحق يكون من حكم الجاهلية ، وهذا أمر لا يخطر بالبال عند كثير من الناس .
فيجب على المسلم أن يراقب الله في القضايا المختلف فيها ، وأن يكون قصده فقط معرفة الحق سواء مع هذا أو مع ذاك . )) ا.هـ ([13])
وهذا التعصب الذميم والتقليد الأعمى حاشا منه الأئمة العظام أن يدعو إليه ، فهم قد نهوا عن تقليدهم والتعصب لأقوالهم وآرائهم .
قال العلامة ربيع المدخلي في (التعصب الذميم وآثاره)( ص 34) : ((وحذر من التمذهب والتعصب الأئمة الأربعة أنفسهم رضوان الله عليهم وكلامهم مدون في سجلات الإسلام ودواوينه لله الحمد ، ما عفا عليه الغبار وما نسج عليه العنكبوت ، إنما هو باق حجة دامغة لمن يتعصبون للأئمة أو غيرهم، وقد حذروا أشد التحذير من التعصب ، هذا التعصب الذي أدى بكثير منهم إلى رد النصوص الصريحة الواضحة من كتاب الله وسنة رسوله صلى الله عليه وسلم )) ا.هـ
تنبيه : قد يأتي من يتمسك بكلام شيخ الإسلام التالي :((وَكَذَلِكَ التَّفْرِيقُ بَيْنَ الْأُمَّةِ وَامْتِحَانِهَا بِمَا لَمْ يَأْمُرْ اللَّهُ بِهِ وَلَا رَسُولُهُ: مِثْلَ أَنْ يُقَالَ لِلرَّجُلِ: أَنْتَ شكيلي، أَوْ قرفندي، فَإِنَّ هَذِهِ أَسْمَاءٌ بَاطِلَةٌ مَا أَنْزَلَ اللَّهُ بِهَا مِنْ سُلْطَانٍ وَلَيْسَ فِي كِتَابِ اللَّهِ وَلَا سُنَّةِ رَسُولِهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَلَا فِي الْآثَارِ الْمَعْرُوفَةِ عَنْ سَلَفِ الْأَئِمَّةِ لَا شكيلي وَلَا قرفندي ، وَالْوَاجِبُ عَلَى الْمُسْلِمِ إذَا سُئِلَ عَنْ ذَلِكَ أَنْ يَقُولَ: لَا أَنَا شكيلي وَلَا قرفندي؛ بَلْ أَنَا مُسْلِمٌ مُتَّبِعٌ لِكِتَابِ اللَّهِ وَسُنَّةِ رَسُولِهِ. ))
فينكر به تصنيف أهل البدع والأهواء على حسب نحلهم وبدعهم ونسبتهم إلى عقائدهم وصفاتهم ، ويرمي هذا التصنيف السلفي المجمع عليه بأنه بدعة كما أدعوا أن امتحان أهل البدع بأهل السنة بدعة !
ومن المؤسف أنه قد حدث ذلك ورجف به الحزبية ، فتصدى لهذه التشغيبة مشايخ السنة وبينوا فسادها وضلالها .
قال العلامة عبدالسلام بن برجس بن ناصر آل عبدالكريم ـ رحمه الله ـ مبينا فساد هذه التشيغبة الكاسدة : (( فنبدأ بالمسألة الأولى وهي التصنيف :
هل هو حق أم باطل وهل يصح التصنيف بالظن أم لا يصح ؟
وجواب هذه المسألة أن يقال إن التصنيف الذي هو نسبة الشخص الذي تلبس ببدعة إلى بدعته ونحو ذلك كنسبة الكذاب إلى كذبه وهكذا كل ما يتعلق بمسائل الجرح والتعديل.
نقول إن هذا التصنيف حق ودين يدان به، ولهذا أجمع أهل السنة على صحة نسبة من عُرف ببدعة إلى بدعته، فمن عرف بالقدر قيل هو قدري، ومن عُرف ببدعة الخوارج قيل خارجي، ومن عرف بالإرجاء قيل هو مرجئ، ومن عرف بالرفض قيل رافضي، ومن عرف بالتمشعر قيل أشعري، وهكذا معتزلي وصوفي وهلم جرا.
وأصل هذا أن النبي صلى الله عليه وسلم أخبر أن أمته ستفترق على ثلاثة وسبعين فرقة ، واحدة في الجنة واثنتان وسبعون في النار، ففيه دلالة على وجود الفرق ولا يتصور وجود الفرق إلا بوجود من يقوم بمعتقداتها من الناس، وإذا كان الأمر كذلك فكل من دان بمعتقد أحد هذه الفرق نسب إليه لا محالة.
وقد ذكر النبي صلى الله عليه وسلم مثالاً لهذه الفرق وهم القدرية في قوله عليه الصلاة والسلام: " القدرية مجوس هذه الأمة إن مرضوا فلا تعودوهم وإن ماتوا فلا تشهدوهم "
والقدرية واحدهم قدري، فالنبي صلى الله عليه وسلم نسب أشخاصاً من أمته سيأتون من بعده إلى القدر فصنفهم بالبدعة التي وقعوا فيها وهي إنكار القدر، مثالاً آخر لتلك الفرق جاء على لسان رسول الله صلى الله عليه وسلم الخوارج واحدهم خارجي ، وقد أشار إليهم النبي صلى الله عليه وسلم في أحاديث كثيرة بلغت حد التواتر وهو عليه الصلاة والسلام لم يسميهم بالخوارج ولكن الصحابة ورد عنهم تسميتهم بذلك وتنزيل الأحاديث التي جاءت في الخوارج على الخوارج الذين وجدوا بعد النبي صلى الله عليه وسلم، والأحاديث كثيرة منها ما جاء في المسند والسنن أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: "سيكون في أمتي اختلافاً وفرقة ، قوم يحسنون القيل ويسيئون الفعل، يقرأوون القرآن لا يجاوز تراقيهم، يحقر أحدكم صلاته مع صلاتهم وصيامه مع صيامهم يمرقون من الدين كما يمرق السهم من الرمية، ثم لا يرجعون حتى يرتد السهم على فوقه، هم شر الخلق والخليقة، طوبى لمن قتلهم أو قتلوه يدعون إلى كتاب الله وليسوا منه في شيء، من قاتلهم كان أولى بالله منهم" قالوا: يا رسول الله ما سيماهم، قال: "التحليق". حديث صحيح أخرجه الإمام أحمد واللالكائي وغيرهم وهو في السنن أيضاً.
وقد أخرج مسلم وغيره عن بسر بن عمرو قال سألت سهل بن حنيف هل سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يذكر الخوارج، فقال: سمعته وأشار بيده نحو المشرق :" قوم يقرأوون القرآن بألسنتهم لا يعدو تراقيهم يمرقون من الدين كما يمرق السهم من الرمية " والحديث كما أنه في مسلم أيضاً هو في البخاري وفي مسند الإمام أحمد.
وامتداداً لهذا المأثور جاءت أقوال السلف وأفعالهم في هذا الباب واضحة، فهم يثبتون هذه الفرق وينسبونها إلى بدعتها التي خرجت بها عن موجب الكتاب والسنة، ومن عُرف بها من آحاد الناس نسبوه إليها وكل هذا منقول عنهم ومثبت في دواوين السنة لا يخفى على أهل العلم ولو كتب المرء في ذلك مجلداً كبيراً لما أحاط ببعض ذلك، وكتب السير والتراجم والمؤلفات الموصوفة بالسنة فيها شيء كثيرٌ من هذا الباب.. وفوق هذا أن السلف رضي الله عنهم ينسبون من تلبس بهذه البدعة ونحوها إليها، فنافع ابن الأزرق أحد رؤوس الخوارج كما هو معلوم وقد نسبه السلف إلي هذه البدعة ، بل قد كان اسمه في زمن من الأزمان عندهم علمٌ أو علماً على الخوارج ، فقد كانت طائفة من الخوارج تدعى بالأزارقة ، وقد ثبت في مسند الإمام أحمد أن عبد الله بن أبي أوفى رضي الله عنه قال: لعن الله الأزارقة، لعن الله الأزارقة ، حدثنا رسول الله صلى الله عليه وسلم أنهم كلاب النار، فقال الراوي عنه قلت له: الأزارقة وحدهم أم الخوارج كلها، قال: بلى الخوارج كلها.
والأزارقة قد قتلوا في زمن عبد الله بن الزبير رضي الله تبارك وتعالى عنه، ورؤوس الخوارج وأمراؤهم الذين قاتلهم علي بن أبي طالب معروفون عند السلف ينسبون بأعيانهم إلى هذه البدعة ، كعبد الله بن وهب، وحرقوص بن زهير، وشريح بن أبي أوفى، وعبد الله بن صخبرة السُلمي وغيرهم، ومثل هؤلاء أيضاً السلسلة المشينة الجهم بن صفوان عن الجعد بن درهم عن أبان بن سمعان عن طالوت ابن الأعصم اليهودي فقد عرف أهل السنة خُبث هذه السلسلة وحذروا منها ونسبوا كل من عرف بهذه الملة إلى مشيعها ومفشيها الجهم بن صفوان فقالوا جهمي وهكذا الحال في معبد الجهني وغيلان الدمشقي القائلين بالقدر وفي واصل بن عطاء وعمرو بن عبيد أهل الأعتزال فكل هؤلاء وغيرهم كثير صنفهم السلف رضي الله عنهم وذكروا أسمائهم منسوبة إلى بدعهم دون نكيرٍ بينهم .
وأنت إذا أخذت جانباً آخر من هذا الباب وجدت كتب الجرح والتعديل مليئة بنسبة من دون أولئك إليهم ما داموا مشتركين معهم في نحلتهم ووجهتم وبصرف النظر عن ثبوت ذلك في حق من نسب إليه هذا الأمر أو عدم ثبوت ذلك .
المقصد أن أهل السنة فعلوا ذلك فإن ثبت فقد حصل المقصود وإن لم يثبت بُرء من نسب إليه ذلك.
أقول هذا لأن بعض من نسبوا إلى ذلك الأمر قد لا يثبت عنهم نسبتهم إلى تلك البدع وهذا كما قيل في الجوزجاني إبراهيم بن يعقوب فقد قال عنه ابن حبان كان حريزي المذهب يعني أنه يرى رأي حريز بن عثمان الذي رمي بالنصب وقال ابن عيينة رحمه الله تعالى في إسماعيل بن سُميع كان بيهسياً، وقال فيه ابن القطان كان صفرياً وبُهيتياً نسبة إلى أحد رؤوس الخوارج ينسب إليه طائفة منهم والبُهيتية طائفة من الصفرية اتباع زياد بن الأصفر من الخوارج وهكذا يقول أحمد رحمه الله تعالى في سيف بن سليمان قدري وهلم جرا.
تجد من هذا الكلام شيئاً كثيراً في كتب السلف رحمهم الله تعالى .
فثبت بجميع ما ذكر أن التصنيف حق أجمعت عليه الأمة فلا ينكره عاقل وكما أن أهل البدع ينسبون إلى بدعهم ليعرفوا فيحذروا فهكذا أهل الحق ينسبون إليه لا إلى غيره فليس لهم ألقاب تنم عن الخروج عن مقتضى الكتاب والسنة وما عليه سلف هذه الأمة، وهذا معنى قول الإمام مالك رحمه الله تعالى: (أهل السنة ليس لهم لقب يعرفون به لا جهمي ولا قدري ولا رافضي) ذكره عنه ابن عبد البر في الانتقاء وسئل رحمه الله تعالى عن السنة فقال: (هي ما لا اسم له غير السنة وتلا قول الله سبحانه وتعالى:{وأن هذا صراطي مستقيماً فاتبعوه ولا تتبعوا السبل فتفرق بكم عن سبيله}
يقول ابن القيم رحمه الله تعالى عندما ساق هذه الجملة عن الإمام مالك في كتابه مدارج السالكين : (يعني أن أهل السنة ليس لهم اسماً ينسبون إليه سواها) .
ويقول الثقة الثبت مالك بن مغول رحمه الله تعالى: (إذا تسمى الرجل بغير الإسلام والسنة فألحقه بأي دين شئت) ، ويقول أيضاً ميمون بن مهران رحمه الله تعالى: ( إياكم وكل اسمٍ يُسمى بغير الإسلام)، ذكر هذين الأثرين ابن بطه رحمه الله تعالى في الإبانة الصغرى.
وكل هذه الآثار مأخوذة من الكتاب والسنة وما عليه الصحابة رضي الله تبارك وتعالى عنهم، الله تعالى في كتابه سمانا مسلمين ولذا جاء في حديث الحارث الأشعري في مسند الإمام أحمد "فادعوا المسلمين بأسمائهم بما سماهم الله عز وجل المسلمين المؤمنين عباد الله عز وجل"، وقد جاءت لهم تسميات في الشرع المطهر هي مرادفة لتسميتهم بالمسلمين كأهل السنة الذي دل عليه المقابلة بين البدعة والسنة في قول صلى الله عليه وسلم: "فعليكم بسنتي وسنة الخلفاء الراشدين المهديين وإياكم ومحدثات الأمور فإن كل محدثة بدعه وكل بدعة ضلالة"، ولذا يقول الإمام البربهاري رحمه الله تعالى: (اعلم أن الإسلام هو السنة والسنة هي الإسلام ولا يقوم أحدهما إلى بالآخر).
وكذلك يسمون بأهل السنة والجماعة لقول النبي صلى الله عليه وسلم عن الفرقة الناجية : "وهي الجماعة" أخرجه أحمد وأبو داود وغيرهما من حديث معاوية رضي الله تبارك وتعالى عنه ، ويسمون الطائفة المنصورة والفرقة الناجية، وكل هذه الأسماء قد قام الدليل عليها.
خلاصة القول أن التسمية إن كانت مطابقةً للمسمى فذلك المراد، وإن لم تكن فإنها لا تفيد شيئاً، فما قيمة التسمية بأهل السنة والجماعة بطائفة الأشاعرة ، لا شيء، وهكذا غير الأشاعرة إذا تسموا باسم أهل السنة والجماعة ولم يلتزموا عقائد وأصول أهل السنة والجماعة فهم ليسوا أهل سنة وجماعة ، وإن تسموا بهذا الاسم وإن تزينوا به .
والضابط في أهل السنة كما يقول الشيخ عبد الرحمن السعدي رحمه الله تعالى: ( هو أن أهل السنة المحضة هم السالمون من البدع الذين تمسكوا بما كان عليه النبي صلى الله عليه وسلم، وبما عليه أصحابه في الأصول كلها أصول التوحيد والرسالة والقدر ومسائل الإيمان، وغيرها
وغيرهم من خوارج ومعتزلة وجهمية وقدرية ورافضة ومرجئة ومن تفرع عنهم كلهم من أهل البدع الاعتقادية). ([14])
وقبله قرر هذا الأمر الإمام البربهاري بكلام أدق حيث يقول رحمه الله تعالى في شرح السنة يقول : (ولا يحل لرجل مسلم أن يقول فلان صاحب سنة حتى يعلم منه أنه قد اجتمعت فيه خصال السنة، لا يقال له صاحب سنة حتى تجتمع فيه السنة كلها).
فمن أثبت في القدر اعتقاد أهل السنة والجماعة ولم يثبته في الأسماء والصفات، أو أثبت الأسماء والصفات ولم يكن على عقيدة أهل السنة والجماعة في باب الإيمان ومرتكب الكبيرة ونحو ذلك فكيف يسمى من أهل السنة والجماعة ؟؟!.
إذن فمن كان على الصفات التي ذكرها الشيخ عبد الرحمن السعدي والبربهاري رحمه الله نسبناه إلى أهل السنة وصنفناه مع أهلها وهكذا كان عمل السلف الصالح رضي الله تبارك وتعالى عنهم.
فظهر بهذا الموجز واستبان مشروعية نسبة الناس إلى عقائدهم، فمن كان من أهل السنة فهو سني ومن كان من أهل البدع والأهواء فهو منهم ، أشعرياً كان أو معتزلياً أو مرجئياً أو خارجياً أو رافضياً وهكذا
إذا تبين هذا، فإن هذا الباب باب قد طرقه أهل العلم عملياً ونظرياً في قديم الزمان وفي حديثه، ولعلنا قد قدمنا من العملي ما يتضح به المقصود .
أما النظري فأهل الاختصاص ، أهل الجرح والتعديل قد اعتنوا به وأوسعوه بحثاً فبينوا حكمه في الشرع وذكروا قواعده ، فتصنيف الناس ونسبتهم إلى عقائدهم ونحلهم وصفاتهم من حيث الحكم ومن حيث القواعد، ليس علماً مخترعا وليس علماً جديداً بل هو علم الجرح والتعديل الذي لا ينقطع من هذه الأمة ما بقي الليل والنهار .
فمن رام أن يطفئ نور هذا الفن ، لخاطر حزبه أو خوفاً على محبوبيه المجروحين فقد ضل وأضل وشقي وأشقى !!!.
فتصنيف الناس بحقٍ وبصيرة حراسة لدين الله سبحانه وتعالى، وهو جند من جنود الله سبحانه وتعالى ينفي عن دين الله جل وعلا تحريف الغالين وانتحال المبطلين وتأويل الجاهلين وزيغ المبتدعين ومكر الخوارج المارقين وسائر الفرق المنشقة عن صفوف أمة الصادق الأمين صلى الله عليه وسلم .
فالتصنيف رقابة تترصد ومنظار يتطلع إلى كل محدث فيرجمه بشهاب ثاقب لا تقوم له قائمة بعده، حيث يتضح أمره ويظهر عوره :{ وسيعلم الذين ظلموا أي منقلب ينقلبون} .
وما ظننا يوماً من الأيام أن معاول أهل الأهواء المتثلمة وعصيهم المتشققة ستصل إلى هذا المبلغ البعيد الشأو فيضربوا بها حرس الدين وجنده ويعتدوا على باب من أعظم أبواب العلم وهو باب الجرح والتعديل باب التصنيف؛ ليزيلوه من هذه الأمة خوفاً على ،أسيادهم ،وبنّائِهم !!.
فالتصنيف : من معاول أهل السنة والجماعة التي بحمد الله جل وعلا لم تفتر ولن تفتر في إخماد بدع أهل البدع والأهواء وفي كشف شبههم وبيان بدعهم حتى يحذروا وحتى تعرفهم الأمة فتكون يداً واحدة على ضربهم ونبذهم والقضاء عليهم .
والعجب أن يخرج أناس ينتسبون إلى السنة ، [يجعلون] التصنيف لهم جائز على كل الوجوه وعلى ما يشاءون ويختارون، أما غيرهم فهو في حقهم من الموبقات السبع !!!
فهم يصنفون من شاؤوا بهواهم ولا يرضون تصنيف آخرين من أهل البدع لمجرد هواهم أيضا .
أما إذا صنف أهل الحق أحد أسيادهم ومتبوعيهم بحق وبرهان غضبوا غضباً وسكَّروا أبواب التصنيف وأبواب الجرح والتعديل في وجوههم !!!!.
فخذ على ذلك مثالاً يضحك ويبكي ، الكل منا يعرف الصابوني وأنه أشعري المعتقد ولما أخرج تفسيره الصفوة وانتشر في الأقطار تصدى له كثير من أهل العلم وفقهم الله تعالى وبينوا عواره وكشفوا مخبآته وحذروا الناس من اقتناء هذا التفسير ومن التعويل عليه لما هو منطوي عليه من تأويل أسماء الله سبحانه وتعالى وصفاته .
فلما جاء السيد قطب وسلطت أضواء أهل الحق على تفسيره فأخرجوا ما عنده من تأويل لأسماء الله تعالى وصفاته، ومن تخبيط في أبواب المعتقد كلها، وذكروا ما تفوه به في حق بعض الصحابة رضي الله تبارك وتعالى عنهم، وذكروا أيضاً ما تلفظ به لسانه وكتبه قلمه من سوء الأدب مع بعض أنبياء الله جل وعلا ، لما ذكروا ذلك ثار ثائرت بعض القوم فشنعوا وجدعوا وقالوا إن كتبه نافعه طيبة ويجب قراءتها
فقلي بربك أيها المنصف فما الفرق بينه وبين الصابوني الذي فعل به ذلك الرجل ما فعل!!
ما هو الفرق عند أهل العلم والإيمان ؟
أنا أقول إن الصابوني أحسن حالاً بمئات المرات من مثل سيد قطب ، فالصابوني يتكلم بطريقة أهل العلم الذين سبقوا ، كالصاوي والنسفي والجلالين ونحوهم .
أما هذا فهو قد جاء بأسلوب مخترع مبتدع في تفسير كتاب الله جل وعلا لم تكن عليه الأمة من قبل، وأسلوبه وطريقته مشوبة بالأفكار الضالة التي كان يعتنقها والتي كانت بعيدة عن الإسلام بعداً كاملا ، ولكن الكلام لِم يفرق بين هذا وذاك ، وما هو السر ؟!!
إلا لأجل أن هذا هو قائد الطريقة وهو شيخ الطريقة ؛ فلذا حرمته حرمة تفوق كل حرمة، فينسب كل الناس إلى البدع والتمشعر والاعتزال والجهمية ونحو ذلك، أما هذا فقفوا قد حرم الكلام عليه، وقد سيج بسياج من حديد فلا يخلص أحد إليه .
وهذا تناقض مشين ولعب بقواعد الدين، فالواجب الإنصاف والتخلي عن الأغراض والأهواء والمطامع والنزعات الحزبية العرقية في مثل هذا الباب العظيم، فالمسلم الصادق العالم المحق هو الذي يمشي على وتيرة واحدة ولا يتلون في دين الله سبحانه وتعالى .
إذن فهذا العلم علم الجرح والتعديل يجب الرجوع فيه إلى أهله ، السالمين من الهوى المتجردين في أحكامهم، أهل الغيرة على دين الله سبحانه وتعالى، لا يرجع فيه إلى أصحاب الحظوظ النفسية والتقلبات والتلون في دين الله سبحانه وتعالى. )) انتهى كلام العلامة عبدالسلام رحمه الله .([15])
مسألة : هل يصنف بالظن ؟
قال الشيخ عبدالسلام : ((إن الظن الذي هو الشك في اللغة ليس كله مذموماً كما أنه ليس ممدوحاً كله، فمنه ما هو مذموم ومنه ما هو ممدوح، يقول الله سبحانه وتعالى:{إن بعض الظن إثم }، وقد سمى الله سبحانه وتعالى الظن علماً في مواضع من كتابه كما في قوله سبحانه وتعالى:{ فإن علمتموهن مؤمنات} ، وكما في قوله جل وعلا :{ وما شهدنا إلا بما علمنا} .
أما قول الله جل وعلا:{ إن الظن لا يغني من الحق شيئاً} فإن المراد هنا الظن الذي يعارض العلم وهو ظن المشركين أن شركهم صحيح بدليل قوله :{ لا يغني من الحق شيئاً }.
وهذا يدل على أنه ظن غير الحق ، فخرج بذلك أنه حيث يذم الظن فيراد به الشك المساوي دون الغالب الراجح.
وليعلم أن أكثر أحكام الشريعة العملية مبنية على الظن الغالب الراجح ، يعرف ذلك أهل العلم وطلابه، بل أكثر قواعد الشرع مبينة على ذلك كما في قاعدة المصالح والمفاسد فإنها مبنية على الظنون ، وقد عرف أهل العلم أن الظن المعتبر ثلاث مراتب ظنٌ في أدنى المراتب وظنٌ في أعلاها وظنٌ متوسط ، كما قرر ذلك العز بن عبد السلام رحمه الله تعالى، وفائدة هذا التقسيم هو الرجوع عند الاختلاف إلى أعلى الظنون دون متوسطها وأدناها وإذا تعارض المتوسط مع الأدنى قدم المتوسط وهكذا .
إذا تبين هذا فإننا نقول ماذا يُراد بالتصنيف بالظن ؟؟
إن كان الشك المساوي فلا يصح ذلك وعليه ينزه قول النبي صلى الله عليه وسلم: "إياكم والظن فإن الظن أكذب الحديث".
وإن كان الظن المعتبر في الشرع وهو الغالب الراجح فهذا يصنف به ولا ريب عند أهل العلم رحمهم الله تعالى، ولذلك لو تأملت طريقة السلف في باب الجرح والتعديل والكلام في أهل البدع تراهم يعتبرون الظن .
فمثلاً بعضهم يقول : من أخفى علينا أو عنا بدعته لم تخفى علينا ألفته ، يعني أننا نعرفه من خلال من يجالس وإن لم يظهر البدعة في أقواله وأفعاله .
وقد قال يحيى بن سعيد القطان رحمه الله تعالى : لما قدم سفيان الثوري البصرة وكان الربيع بن صبيح له قدر عند الناس وله حظوة ومنزلة فجعل الثوري يسأل عن أمره ويستفسر عن حاله فقال: " ما مذهبه؟ " قالوا : " مذهبه السنة " قال : " من بطانته ؟ " قالوا : "أهل القدر"
قال : " هو قدري " .
وقد علق ابن بطة رحمه الله تعالى على هذا الأثر بقوله : رحمة الله على سفيان الثوري : " لقد نطق بالحكمة فصدق، وقال بعلم فوافق الكتاب والسنة، وما توجبه الحكمة ويدركه العيان ويعرفه أهل البصيرة والبيان قال الله جل وعلا:{يا أيها الذين آمنوا لا تتخذوا بطانة من دونكم لا يألونكم خبالاً ودوا ما عنتم} . ([16])
وليعلم طالب العلم أن أكثر تصنيف أهل العلم في قديم الزمن وحديثه إنما هو بالظن المعتبر، أما التصنيف باليقين فهو نادر جداً في الأمة .
والتصنيف بالظن كالتصنيف بالشهادة فإذا شهد عدلان على رجل بأنه من أهل الأهواء والبدع حكم عليه بذلك ، والتصنيف بالقرائن ونحو ذلك من الأمور التي هي مبناها على الظن كما هو في أكثر أحكام الشريعة الإسلامية.
وفي ختام هذه الكلمة أقول إنه ينبغي لطالب العلم أن يحترز من هذا الباب وأن يخشاه خشية عظيمة وأن يبتعد عنه أول طلبه للعلم لأن هذا الباب باب وعر المسلك صعب المرتقى، فعلامة توفيق طالب العلم في أول أمره أن يشتغل بحفظ المتون العلمية وأن يقبل عليها حفظاً وفهماً ودراسة وتكريراً ونحو ذلك، وعلامة عدم توفيقه أن يشتغل بمثل هذه الأبواب في أول الطلب فليترك الطالب العناية بهذا الباب في أول طلبه وليقبل على أصول العلم حتى يكون توفيقه إن شاء الله.
والله تعالى أعلم وصلى الله وسلم وبارك على نبينا محمد.)) ا.هـ ([17])
وفي ختام بيان فساد قولتهم : عدم مشروعية امتحان الأشخاص بأهل السنة والجماعة ، أتحف القراء الكرام بآثار وفتاوى علماء السنة والحديث قديما وحديثا تبين سنية ومشروعية هذه القاعدة السلفية مما تنسف أباطيل أهل البدع التي ما أحدثوها إلا لحماية بدعهم ورموزهم .
1 ـ ذكر الإمام الذهبي في ( السير)(7/ 107 ـ 110) ، أن عَلي بن المَدِيْنِي قال في شأن حماد :
(( وَمَنْ تَكَلَّمَ فِي حَمَّادٍ، فَاتَّهَمُوْهُ فِي الدِّيْنِ. ))
وقَالَ الإمام أَحْمَد بنُ حَنْبَلٍ: (( إِذَا رَأَيتَ مَنْ يَغمِزُهُ، فَاتَّهِمْهُ فَإِنَّهُ كَانَ شَدِيْداً عَلَى أَهْلِ البِدَعِ ))
2 ـ وقال الإمام الألباني ـ رحمه الله ـ عند ذكره أثر الإمام أحمد هذا في كتابه( النصيحة بالتحذير من تخريب ابن عبد المنان )(ص 224) :((أم هي المعاداة لأئمة السنة الذين منهم حماد بن سلمة؟..
ولذلك أعلن تضعيفه بعض المبتدعة وأعداء السنة في هذا العصر ، فأخشى أن يكون الهدام منهم ، فإني أراه منحرفا عنه . ))
3 ـ سُئل العلامة الشيخ زيد بن هادي المدخلي ـ حفظه اللهُ تعالى ـ : ما حكمُ الامتحان بالأشخاصِ سواء بعلماء السنَّةِ أو برؤوس المبتدعة؟ وهل ينطبقُ ذلكَ على المعاصرين؟ أفيدونا جزاكم الله خيرا.
فأجاب : لا شكَّ يا أخي أنَّ السلفَ الصالحَ كانوا يمتحنونَ النَّاسَ بالعلماءِ الذين عُرفوا بالصلابةِ بالسنَّة وسلامةِ العقيدةِ والمنهج, وعُرِفوا بالشدَّة على أهلِ الأهواءِ والبدعِ , وقد عثرتُ على بضعة عشر نصَّاً عن السلف؛ كلُّ نصٍّ فيه مثالٌ لبيانِ امتحانِ النَّاسِ بأهلِ السُنَّةِ , فمن عرفَ فضلَهم وأحبَّهم وذكرَهم بخيرٍ ، فهو صاحبُ سُنَّة ، ومن غَمَزَهم ووقع في أعراضِهم ، فهو صاحبُ سوءٍ وبدعةٍ ، وإليكَ نموذجاً يسيراً من نصوصٍ سلفيّةٍ كثيرة:
أ ـ قال الإمامُ البربهاريُّ رحمه الله: «وإذا رأيتَ الرجلَ يحبُّ أبا هريرةَ وأنسَ بنَ مالكٍ وأسيدَ بنَ حضير فاعلم أنَّهُ صاحبُ سُنَّةٍ إن شاء الله»
ب - وقال أيضا: «وإذا رأيتَ الرجلَ يحبُّ أيوبَ وابنَ عون وابنَ إدريس الأودي والشعبي- وذكرَ جماعةً من الفضلاءِ إلى أن قال:- فاعلم أنَّهُ صاحبُ سُنَّة».
د - كما قال أيضاً: «وإذا رأيتَ الرجلَ يحبُّ أحمدَ بنَ حنبل والحجَّاجَ بنَ المنهال وأحمدَ بنَ نصر وذكرهم بخيرٍ وقال قولَهم فاعلم أنَّهُ صاحبُ سُنَّة» ا.هـ ([18])
وقلتَ في سؤالكَ: وهل ينطبق ذلكَ على المعاصرينَ في زمننا هذا؟
والجواب: نعم يُمتحنُ النَّاسُ في كلِّ زمانٍ ومكانٍ بأهلِ السُنَّة عقيدةً وشريعةً, أي الذين نذروا أنفسهم لحفظِ السُنَّة, وفهمِ معاني نصوصها, والعملِ بها والذبِّ عنها.
وليس امتحانُ النَّاسِ بأهلِ السُنَّةِ مقصوراً على شخصٍ معيّن أو أشخاص, بل يُمتحنُ النَّاسُ بكلِّ صاحبِ سُنَّة في كلِّ زمانٍ ومكان على الوصفِ الذي ذكرتُم, وكذلك يُمتحنُ النَّاسُ بأهلِ البدعِ الداعين إليها؛ فعن عُقبةَ بنِ علقمة قال: كنتُ عند أرطأةَ بنِ المنذرِ فقالَ بعضُ أهلِ المجلسِ: ما تقولونَ في الرّجلِ يجالِسُ أهلَ السّنّةِ ويخالِطُهم ، فإذا ذُكِرَ أهلُ البدعِ قالَ: دعونَا مِن ذكرِهم ، لا تذكروهُم!
قالَ أرطأةُ : هوَ مِنهم ، لا يلَبِّس علَيكم أمرَه ، قالَ فأنكرتُ ذلكَ مِن قولِ أرطأةَ ، قالَ: فقدِمتُ علَى الأوزاعِيّ وكانَ كَشّافاً لهذهِ الأشياءِ إذا بلَغَته ، فقالَ: «صدقَ أرطأةُ ، والقولُ ما قالَ ، هذا يَنهىَ عن ذكرِهم ، ومتَى يُحذَرُوا إذا لم يُشاد بذكرِهم؟!»([19])
وقال الأوزاعي رحمه الله: «مَنْ سَتَرَ عَلَيْنَا بِدْعَتَهُ, لَمْ تَخْفَ عَلَيْنَا أُلْفَتَهُ» ([20])
وقال العكبري-وهو ابن بطة-: لمّا قدم سفيانُ الثّوري البصرةَ جعلَ ينظرُ في أمرِ الرّبيعِ –يعني ابن صُبَيح- وقدرِه عند النّاس ، سأل أيّ شيء مذهبه؟ قالوا: ما مذهبُه إلاّ السّنّة ، قالَ: من بطانتُه؟ قالوا: أهلُ القدرِ ، قالَ: هو قدرِيّ » )) ا.هـ ([21])
4 ـ قال العلامة عبيد بن عبدالله الجابري ـ حفظه الله ـ : (( علمت أولا الامتحان في الفضلاء وقالوا يقولون امتحنوا أهل المدينة بمالك وامتحنوا أهل مصر بالليث بن سعد وامتحنوا أهل الشام بالأوزاعي وامتحنوا أهل الموصل بالمعافى بن عمران ، لأن هؤلاء أئمة علماء فضلاء في أقطارهم ومن ذكرهم بخير فهو على سنّة وكان سفيان بن عيينة .. إذا أتاه أهل الموصل سألهم عن رأيهم في المعافى بن عمران وإن أثنوا عليه خيرا قرّبهم وإن ذكروهم بسوء أبعدهم لما يعلم عنه من السنة والمسك بها, وثمّة امتحان آخر وهو من يعرف حاله من لم يراد منه شيء ولم يعرف حاله فإنه يمتحن وشاهد ذلك ما رواه مسلم عن معاوية بن الحكم رضي الله عنه كانت له جارية ترعى الغنم فأتى الذئب فأخذ شاة منها فلطمها ثم ندم على ذلك فأتى النّبي صلى الله عليه وسلم فأخبره الخبر فتغير رسول صلى الله عليه وسلم فقال يا رسول الله إنّ عليّ رقبة فهل أعتقها فقال جئني بها أنظر أمؤمنة فأتى بها إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم فقال لها فسألها "أين الله ؟ " ، قالت في السماء ، قال : "من أنا " ، قالت أنت رسول الله قال "أعتقها فإنها مؤمنة " ، فهذا الذي عندي في باب الامتحان وبهذا يظهر لكم بطلان إطلاق القول بأن امتحان الناس بدعة هذا باطل نعم )) ا.هـ ([22])
5 ـ سئل العلامة محمد بازمول ـ حفظه الله ـ : ما حكم من يقول : بأنه لا يجوز امتحان الناس بالأشخاص المعينين ، مثلا كأن يقول : المبتدع الفلاني ما تقول فيه ؟ وما موقفك من العالم الفلاني ؟ ويُعِد هذا من البدع المحدثة ، فنرجو البيان – حفظكم الله - ؟
فأجاب : الامتحان بالأشخاص ، يعني أن تمتحن الناس بفلان ، إذا كان فلان ظهر في البدعة أو ظهر في السنة جاء مثله عن السلف ، فقد كانوا يمتحنون الناس بأحمد بن حنبل رحمه الله في زمن البدعة ، ويسألون الشخص كيف أحمد بن حنبل عندك ؟ لأن أمر أحمد بن حنبل رحمه الله كان ظاهرا في السنة ، كان ظاهرا في السنة ، فامتحان الناس بالأشخاص له أصل ، امتحان الناس بالأشخاص له أصل من فعل السلف - رضوان الله - عليهم ، وإن كان هذا بأن نقول أن هذا من أصله بدعة وضلالة ؟ هذا خطأ ، هذا خطأ ، خاصة وإن كان الشخص معروف بكونه من أهل السنة والجماعة ، ونحن أدلكم على شيء تجيبون به هذا الشغب الذي ينكر هذا الأمر ، وهو مما جرى عليه أهل السنة والجماعة قاطبة ، إذا أردت أن تمتحن الشيعي من السني فتقول له : ما موقفك من أبي بكر الصديق رضي الله عنه ، وما موقفك من عمر رضي الله عنه ، وما موقفك من الصحابة رضي الله عنهم ؟ هل في هذا ما ينكر ؟
ليس في هذا ما ينكر ، هل مثل هذا من باب امتحان الناس بالأشخاص ؟
الجواب : نعم .
إذن قول القائل : إن هذا من البدع خطأ ، فإن في الإسلام وفي عقيدة المسلمين هناك أبواب يمتحن فيها السني من الشيعي في الصحابة ـ رضي الله عنهم ـ ! بل بأعيان من الصحابة رضي الله عنهم !! بل بأفراد منهم رضي الله عنهم ، فتمتحن الشيعي بأبي بكر الصديق رضي الله عنه ، تمتحنه بعائشة رضي الله عنها ، تمتحنه بعمر بن الخطاب رضي الله عنه ، سله ما هو موقفه منهم رضي الله عنهم ؟ تمتحنهم بالصحابة رضي الله عنهم ، سله ما هو موقفه منهم رضي الله عنهم ؟
فإذا أظهر لك مذهب أهل السنة نفيت عنه بدعة التشيع ، فإذا لم يظهر لك موقف أهل السنة نسبته إلى التشيع ، وهذا امتحان في أشخاص في الإسلام لكن .. ينبغي أن يضبط هذا في ضابطين اثنين :
الضابط الأول : أن يكون الشخص الممتحن به من أهل السنة الظاهرين المعروفين ، بحيث أصبح اسمه شعارا يعرفه أهل السنة ويدل عليه .
الأمر الثاني : أن لا يستعمل هذا الضابط إلا في محله إلا يعني من أشخاص نريد أن نمتحن ونعرف بدعتهم ، مثل السني والشيعي في الصحابة رضي الله عنهم ، مثل نريد أن نعرف أصحاب البدع والضلالات اليوم الحزبيين ( هه ! ) من غيرهم ، فنمتحنه مثلا بمحبة بن باز رحمه الله ، بمحبة الألباني رحمه الله ، بمحبة يعني علماء أهل السنة حفظهم الله ورحم أمواتهم ، كالشيخ ربيع حفظه الله وكغيرهم ، ممن عرفوا بمواقفهم ضد هؤلاء ، إذا كان موقفه سليما عرفنا أنه إن - شاء الله - في هذا الباب سني ، إنما الضابط الثاني أن لا يستعمل هذا إلا في محله ، وأن لا يتم إلا على سلامته في هذه الجهة فقط دون غيرها والله أعلم . )) ا.هـ ([23] )
4 ـ قال العلامة محمد بن هادي المدخلي في نهاية شرحه لعقيدة السلف أصحاب الحديث للإمام الصابوني رحمه الله : (( وأنا أضيف إليهم إذا رأيت الرجل في هذا الزمان يبغض شيخ الإسلام ابن تيمية وتلميذه ابن القيم ويبغض ابن كثير ويبغض الذهبي ويبغض محمد بن عبد الوهاب ويبغض أئمة الدعوة وينبزهم ويطعن فيهم وفي عصرنا هذا يبغض أمثال شيخنا شيخ الإسلام في هذا الزمان الشيخ عبد العزيز بن باز رحمه الله وإمام الحديث في هذا العصر أيضا الشيخ ناصر الدين الألباني والشيخ محمد بن عثيمين إذا رأيت من يبغض هؤلاء ، كذلك شيخنا الشيخ ربيع وشيخنا الشيخ أحمد بن يحيى النجمي وشيخنا الشيخ زيد وكذلك الشيخ صالح الفوزان وغيرهم الشيخ صالح اللحيدان والمفتي وغيرهم ممن على شاكلتهم إذا رأيت يطعن فيهم ، فاعلم أن هذا على سوء لماذا ؟ لأنه لا يبغضهم لأجل أشخاصهم وذواتهم وإنما يبغضهم لأجل ما هو عليه من السنة والحديث ، والخطأ يقع من كل أحد ، لكن بغض هؤلاء إنما يكون من أجل ما يحملونه من الدين والسنة لأن هؤلاء هم حملة السنة في الاعصار المتأخرة وفي أيامنا هذه ، وهم أنصارها ، وهم الذابون عنها ، وهم الرادون على أهل الأهواء والبدع ، فإن مثل هؤلاء تجد أن الطاعن فيهم إنما يطعن فيهم لا لأجل ذواتهم وإنما لأجل عقيدتهم ودعوتهم التي هم عليها ، فإذا رأيت من يطعن في مثل هؤلاء فاتهمه ، لأنه ما يطعن فيهم من كان قلبه نقي محب للسنة ولأهلها ، إنما يطعن فيهم من مرض قلبه نسال الله العافية والسلامة ، نعم . )) ا.هـ ([24])
7 ـ سئل العلامة عبدالعزيز البرعي ـ حفظه الله ـ : يسأل عن الامتحان بالأشخاص، هل هو من منهج السلف أم لا ؟.
فأجاب : هذه القضية يحصل فيها لبس عند بعض طلبة العلم، والسبب في ذلك طريقة التعامل مع هذه القضية، فبعضهم يستحضر في ذهنه الأسلوب الخاطئ في التعامل مع هذه القضية فيقولون: هذا لا يصح، ويكون في ذهنه صورة معينة، أما من حيث هذه القضية من أساسها فإن الامتحان بالأشخاص أمر معروف لدى السلف.
أضحى ابن حنبل فتنة مأمونـة.....وبحب أحمد يعرف المتنسك
وإذا رأيت لأحمد متنقصًــا.....فاعلم بأن ستوره ستهتـك
نعم، فكان الناس يختبرون الآخرين بحب أحمد بن حنبل، فإذا كان يحب أحمد بن حنبل فهو سني، وهكذا في غير أحمد بن حنبل أظن المعافى بن عمران كان يمتحن به في بعض البلدان.
فعلى كل حال: هذه القضية لا إشكال في جوازها، ولكن من هو الشخص الذي يمتحن؟، ومن هو الشخص الذي يمتحن به؟، نعم، من هو الشخص الذي يمتحن به؟.
هذا-بارك الله فيكم-يعتبر كافيًا جوابي على السؤال: أن الامتحان بالأشخاص يعتبر من منهج السلف، ولكن يبقى الإشكال من هو الشخص الذي يمتحن به؟.
ثم أقول: مثلًا في هذا العصر من الذي يمتحن به؟، هذه قضية لا بد أن ينتبه لها طلبة العلم والمشايخ، فأحيانًا ينظرون شخصًا قليل القدر فيقولون هذا الذي يمتحن به، لا ما يلزم!، ما يلزم أن يكون واسع العلم، ولا أن يكون جليل القدر وأعلم من على وجه الأرض لا يلزم، نعم، لأنك تريد أن تستخرج حكمًا على شخص بحبه لفلان وعدم حبه لفلان.
فمثلًا: الشيخ ابن باز-عليه رحمة الله-لا يصلح لأن يختبر به الناس، لا لنقص فيه، فالذي أرى أنه يقربني إلى الله أن الشيخ ابن باز في حياته ليس في نفسي أجل منه-رحمة الله عليه-
لهذا- بارك الله فيكم -: تعجبني عبارة قالها الشيخ عبيد الجابري في الشيخ ابن باز قال: (الشيخ ابن باز يجله أهل السنة ويهابه أهل البدعة) .
هذه القضية مهمة جدًا لأنك إذا كنت ستختبر شخصًا بشخص إن أحبه أحببته وإن كرهه كرهته، فإن المبتدعة يتملقون بإظهار حبهم لابن باز، بل صلى عليه الصوفية وبعض الشيعة صلاة الغائب، ولا يجرؤون أن يطعنوا فيه.
والحزبيون في المملكة يدافعون عن ابن باز في ظاهر كلامهم ويظهرون حبه، فلو أنني أحببت كل من أظهر حب ابن باز أحببت المبتدعة، السروريون في اليمن وغير اليمن هل يجرؤ أحد منهم أن يطعن في ابن باز؟ن لا بل يمدحونه.
فلهذا: إذا كنت سأجعل ابن باز محنة للناس معنى ذلك: سأحب من كان يستحق الذم وهذا أمر واضح، ولكن أمثال الشيخ ربيع هذا يصلح أن يكون محنة للناس لأنه ما كرهه إلا مبتدع، ما كرهه إلا مبتدع، واضح وتاريخه موجود.
الشيخ الفوزان على تفصيل: إن سألت عنه مجملًا دافع عنه بعض المبتدعة وذكروه بخير وأثنوا عليه، لكن لو جئت تفصل في أمره يا فلان ما رأيك في كتاب(الأجوبة المفيدة) للشيخ الفوزان؟
هذا الكتاب لا يحبه إلا سُنِّي، ولا يقبل هذا الكتاب إلا سُنِّي.
كم كان أبو الحسن يتمايل يمينًا وشمالًا وينقل فتوى من هنا وفتوى من هناك وفتوى من هناك ولا يمكن أن يذكر هذا الكتاب على لسانه قطعًا، وأعيدوا النظر يا إخوة أمره عجيب هل تذكرون أنه نقل من كتاب(الاعتصام) للشاطبي؟، هل سمعتم أنه ينقل منه؟، أو (السنة) لابن أبي عاصم أو لعبد الله بن حنبل، أو(شرح اصول اعتقاد أهل السنة) للالكائي، مع أنه جعل طلابه يغوصون في مجموع فتاوى ابن تيمية بسبب أن شيخ الإسلام ابن تيمية يتكلم كلامًا كثيرًا يصلح للبتر منه، يصلح أن يبتر منه، وأن يوجه الكلام على غير وجهته الحقيقية حتى يشخص لك ابن تيمية شخصًا آخر.
الشاهد: أن كتاب الشيخ الفوزان يصلح أن يمتحن به، لكن من حيث الإجمال الشيخ الفوزان لا تأمل أن يمدحه مبتدع فتصبح آنذاك تحب مبتدعًا بسبب أنه أظهر حب الفوزان.
الشيخ مقبل- عليه رحمة الله- يصلح أن يمتحن به الناس، لأنه ما رأينا مبتدعًا إلا وهو يكرهه، إلا وهو يكرهه، وإذا وجدت رجلًا صاحب بدعة يذكر الشيخ مقبلًا بخير فهذا ما عرف الشيخ مقبل، ما عرف الشيخ مقبل، نعم.
وهكذا الشيخ الألباني- عليه رحمة الله- ما يحبه المبتدعة، نعم، هؤلاء- بارك الله فيك -المشايخ العلماء علماء أجلاء لكن ازدراهم المبتدعة بسبب أنهم شنعوا عليهم، والشيخ ابن باز- عليه رحمة الله - أيده الله بنصره حتى هابه أهل الشرق والغرب، وجعل الله هيبته في مشارق الأرض ومغاربها هذا من الله-عز وجل-، هذا تهيئة من رب العالمين، هذا التفصيل مهم جدًا وأرجو أن ينفع الله به السامعين.
خيرًا إن شاء الله، على كل حال الأمر كما سمعت، الأمر كما سمعت والمسألة ظاهرة بالنسبة لأصحاب أبي الحسن قد عرفت الحدود وصرفت الطرق فلا سمعه-بارك الله فيك. )) ا.هـ ([25])
والحمد لله رب العالمين
كتبه وجمعه الفقير إلى الله : بشير بن سلة الجزائري
([1]) نقلاً من مجموعة إمام دار الهجرة العليمة في الواتساب
([2]) قال في ( الدرر المتلألئة )(ص 7 ـ 8) : (( الامتحان بموافقة أهل السنة : ولقد امتحن الناس قديماً بحب أئمة السنة وموالاتهم كأحمد وسفيان وحماد فمن أحبهم فهو على خير ومن لا فلا !!
بل قد وقع مثل هذا الامتحان ـ والابتلاء ـ فيمن دون هؤلاء الكبراء : كما قال الإمام عبد الرحمن بن مهدي :"إذا رأيت الشامي يحب الأوزاعي وأبا إسحاق الفزاري : فارج خيره " ، وفي لفظ :"فهو صاحب سنة "
وقال أحمد بن عبد الله بن يونس :"امتحن أهل الموصل بمعافي بن عمران ، فإن أحبوه فهم أهل سنة وإن أبغضوه : فهم أهل بدعة ... )) ا.ه
([3]) (شرح رياض الصالحين)(1 / 406)
([4]) الأجوبــةُ المُفيدَة عَن أَسئِلَة المنَاهِجِ الجدِيَدة)(ص 188 ـ 189)
([5]) انظر كتاب (دعائم منهاج النبوة)( ص123 ـ 125)
([6]) (مجموع الفتاوى)(3/ 409)
([7]) (مجموع الفتاوى)(3/ 412)
([8]) (مجموع الفتاوى)(3/ 418 ـ 420)
([9]) انظر (كتاب العلم)(ص 256) للإمام ابن عثيمين ـ رحمه الله ـ
([10]) (مجموع الفتاوى)(3/ 415 ـ 416)
([11]) (مختصر الفتاوى المصرية)(ص 42 ـ 43)
([12]) انظر ( مجموع الفتاوى)(28/15 ـ 17)
([13]) (التعصب الذميم وآثاره)( ص 41 ـ 44)
([14]) ذكر هذا الضابط في فتاويه رحمه الله تعالى
([15]) (الرد العلمي على منكري التصنيف)( ص 11 ـ 27 / ط : الدار الأثرية الجزائر)
([16]) وهذا من الأدلة الأثرية القوية على ثبوت الامتحان بالأشخاص ، فعض عليه بالنواجذ يا أيها السني ودعك من بنيات الطريق .
([17]) (الرد العلمي على منكري التصنيف)( ص 36 ـ 40)
([18]) (شرح السُنَّة)( 117-118)
([19]) (تاريخ دمشق)( 8/15)
([20]) (الإبانة لابن بطة)( 2/479)
([21]) ( الأجوبة الأثرية عن المسائل المنهجية ص27-29 )(شبكة سحاب السلفية )
([22])( شبكة الأمين السلفية )
([23]) (منتديات البيضاء العلمية )
([24]) ( شبكة سحاب السلفية )
([25]) ( شبكة سحاب السلفية )