.

.



موعظة بليغة لشيخ الإسلام ابن القيم رحمه الله ، في أسباب تسلط العدو على العباد ،وما يحدث من أحداث جارية في بلاد المسلمين.

يقول رحمه الله في كتابه " مفتاح دار السعادة "
- وتأمل حكمته تعالى في تسليط العدو على العباد إذا جار قويهم على ضعيفهم ولم يؤخذ للمظلوم حقه من ظالمه كيف يسلط عليهم من يفعل بهم كفعلهم برعاياهم وضعفائهم سواء ،وهذه سنة الله تعالى منذ قامت الدنيا الى ان تطوى الارض ويعيدها كما بدأها ،وتأمل حكمته تعالى في ان جعل ملوك العباد وأمراءهم وولاتهم من جنس اعمالهم بل كأن أعمالهم ظهرت في صور ولاتهم وملوكهم ،فإن استقاموا استقامت ملوكهم وإن عدلوا عدلت عليهم وإن جاروا جارت ملوكهم وولاتهم ،وإن ظهر فيهم المكر والخديعة فولاتهم كذلك وإن منعوا حقوق الله لديهم وبخلوا بها منعت ملوكهم وولاتهم ما لهم عندهم من الحق ونحلوا بها عليهم ،وإن اخذوا ممن يستضعفونه مالا يستحقونه في معاملتهم اخذت منهم الملوك مالا يستحقونه وضربت عليهم المكوس والوظائف ،وكلما يستخرجونه من الضعيف يستخرجه الملوك منهم بالقوة، فعمالهم ظهرت في صور اعمالهم .

- وليس في الحكمة الالهية ان يولى على الاشرار الفجار الا من يكون من جنسهم ،ولما كان الصدر الاول خيارالقرون وابرها كانت ولاتهم كذلك، فلما شابوا شابت لهم الولاة، فحكمه الله تأبى ان يولي علينا في مثل هذه الازمان ،مثل: معاوية وعمر بن عبدالعزيز ،فضلا عن مثل ابي بكر وعمر ،بل ولاتنا على قدرنا وولاة من قبلنا على قدرهم ،وكل من الامرين موجب الحكمة ومقتضاها ،ومن له فطنه إذا سافر بفكره في هذا الباب رأى الحكمة الالهية سائرة في القضاء والقدر ظاهرة وباطنة فيه، كما في الخلق والامر سواء ،فإياك ان تظن بظنك الفاسدان شيئا من اقضيته واقداره عار عن الحكمة البالغة، بل جميع اقضيته تعالى وأقداره واقعة على اتم وجوه الحكمة والصواب ،ولكن العقول الضعيفة محجوبة بضعفها عن إدراكها كما ان الابصار الخفاشية محجوبة بضعفها عن ضوء الشمس، وهذه العقول الضعاف إذا صادفها الباطل جالت فيه وصالت ونطقت ،وقالت كما ان الخفاش إذا صادفه ظلام الليل طار وسار . 

خفافيش اعشاها النهار بضوئه ولازمها قطع من الليل مظلم 

فليتأمل المتأمل من أي الفريقين هو ، ولايكن خفاشيا ذو منهجي قطبي يحجبه عن إدراك ضوء الشمس ، فيموج في الفتنة ويصول فيها ، أعاذنا الله من شر الفتن ما ظهر منها وما بطن : 

وتأمل وتدبر معي ما جاء في صحيح البخاري : قال ابن عيينة، عن خلف بن حوشب: كانوا يستحبُّون أن يتمثَّلوا بهذه الأبيات عند الفتن، قال امرؤ القيس: 


الحرب أول ما تكون فتيَّة تسعى بزينتها لكل جهول 
حتى إذا اشتعلت وشبَّ ضرامها ولَّت عجوزاً غير ذات حليل
شمطاء يُنكر لونها وتغيَّرت مكروهة للشمِّ والتقبيل

كتاب الفتن : باب: الفتنة التي تموج كموج البحر. 

_________________________

0 التعليقات :

إرسال تعليق

 
أعلى